محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (209)

{ فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم 209 } .

{ فإن زللتم } أي : عن الدخول في السلم { من بعد ما جاءتكم البينات } أي : الآيات الظاهرة على أن ما دعيتم إلى الدخول فيه هو الحق { فاعلموا أن الله عزيز } غالب لا يعجزه الانتقام ممن زلّ ولا يفوته من ضل { حكيم } لا ينتقم إلا بحق . وقوله { فاعلموا . . } إلخ نهاية في الوعيد . لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب . وربما قال الوالد لولده : إن عصيتني فأنت عارف بي وأنت تعلم قدرتي عليك وشدة سطوتي . فيكون هذا الكلام في الزجر أبلغ من ذكر الضرب وغيره . فظهر تسبب الجزاء في الآية بما أشعر به من الزجر والتهديد على الشرط المشير إلى ذنبهم وجرمهم .

هذا ، ومن الوجوه المحتملة في الآية ، أن يكون { السلم } المذكور فيها معناه الصلح والمسالمة وترك المنازعة والاختلاف . فمعنى { ادخلوا في السلم } : كونوا متوافقين ومجتمعين في نصرة الدين ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان بأن يحملكم على طلب الدنيا والمنازعة مع الناس . فتكون الآية حينئذ كقوله تعالى : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } {[1189]} . / وقوله : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا } {[1190]} وقوله : { أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه } {[1191]} . والله أعلم .


[1189]:[8/ الأنفال/ 46] ونصها: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين 46}.
[1190]:[3/ آل عمران/ 103] ونصها: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون 103}.
[1191]:[42/ الشورى/ 13] ونصها: {* شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب 13}.