معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

قوله تعالى : { فلما أسلما } انقادا وخضعا لأمر الله تعالى ، قال قتادة : أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه ، { وتله للجبين } أي : صرعه على الأرض . قال ابن عباس : أو اضجعه على الأرض والجبهة بين الجبينين ، قالوا : فقال له ابنه الذي أراد ذبحه : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن ، واستحد شفرتك ، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد ، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني ، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني ، فقال له إبراهيم عليه السلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه ، ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي ، ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك السكين . ويروى أنه كان يجر الشفرة في حلقه ولا تقطع ، فشحذها مرتين أو ثلاثاً بالحجر ، كل ذلك لا تستطيع . قال السدي : ضرب الله تعالى صفحة من نحاس على حلقه ، قالوا : فقال الابن عند ذلك : يا أبت كبني بوجهي على جبيني ، فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى ، وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع ، ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين ونودي : أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا . وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار وابن اسحاق عن رجاله قال : لما رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان : لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحداً أبداً ، فتمثل له الشيطان رجلاً وأتى أم الغلام ، فقال لها : هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت : ذهب به يحتطبان من هذا الشعب ، قال : لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه ، قالت : كلا هو أرحم به وأشد حباً له من ذلك ، قال : إنه يزعم أن الله قد أمر بذلك ، قالت : فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه ، فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على أثر أبيه ، فقال له : يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك ؟ قال : نحتطب لأهلنا من هذا الشعب ، قال : والله ما يريد إلا أن يذبحك ، قال : ولم ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك ، قال : فليفعل ما أمر به ربه فسمعاً وطاعة ، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم عليه السلام فقال له : أين تريد أيها الشيخ ؟ قال أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه ، قال : والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك هذا ، فعرفه إبراهيم عليه السلام ، فقال : إليك عني يا عدو الله فوالله لأمضين لأمر ربي ، فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئاً مما أراد قد امتنعوا منه بعون الله تعالى . وروى أبو الطفيل عن ابن عباس : أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم مضى إبراهيم لأمر الله عز وجل { فلما أسلما وتله للجبين }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي : إبراهيم وابنه إسماعيل ، جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده ، امتثالا لأمر ربه ، وخوفا من عقابه ، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر ، وهانت عليه في طاعة ربه ، ورضا والده ، { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي : تل إبراهيم إسماعيل على جبينه ، ليضجعه فيذبحه ، وقد انكب لوجهه ، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

قال الله تعالى : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي : فلما تشهدا وذكرا الله تعالى{[25032]} إبراهيم على الذبح والولد على شهادة الموت . وقيل : { أَسْلَمَا } ، [ يعني ]{[25033]} : استسلما وانقادا ؛ إبراهيم امتثل أمْرَ الله ، وإسماعيل طاعة الله وأبيه . قاله مجاهد ، وعكرمة والسدي ، وقتادة ، وابن إسحاق ، وغيرهم .

ومعنى { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي : صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ، ليكون أهون عليه ، قال ابن عباس ، ومجاهد{[25034]} وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة : { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } : أكبه على وجهه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سُرَيْج{[25035]} ويونس قالا حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي عاصم الغَنَويّ ، عن أبي الطفيل{[25036]} ، عن ابن عباس أنه قال : لما أمر إبراهيم بالمناسك{[25037]} عَرَض له الشيطان عند السعي ، فسابقه فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات ، وثَمّ تَلَّه للجبين ، وعلى إسماعيل قميص أبيض ، فقال له : يا أبت ، إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره ، فاخلعه حتى تكفنني فيه . فعالجه ليخلعه ، فنُوديَ من خلفه : { أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } ، فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين . قال ابن عباس : لقد رأيتنا نتبع ذلك الضرب من الكباش .

وذكر تمام الحديث في " المناسك " بطوله{[25038]} . ثم رواه أحمد بطوله عن يونس ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير{[25039]} ، عن ابن عباس ، فذكر نحوه إلا أنه قال : " إسحاق " {[25040]} . فعن ابن عباس في تسمية الذبيح{[25041]} روايتان ، والأظهر عنه إسماعيل ، لما سيأتي بيانه .

وقال محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، عن قتادة ، عن جعفر بن إياس ، عن ابن عباس في قوله : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } قال : خرج عليه كبش من الجنة . قد رعى قبل ذلك أربعين خريفًا ، فأرسل إبراهيم ابنه واتبع الكبش ، فأخرجه إلى الجمرة الأولى ، فرماه بسبع حصيات فأفلَتَه عندها ، فجاء الجمرةَ الوسطى فأخرجه عندها ، فرماه بسبع حصيات ثم أفلته{[25042]} فأدركه عند الجمرة الكبرى ، فرماه بسبع حصيات فأخرجه عندها . ثم أخذه فأتى به المنحر من منى فذبحه ، فوالذي نفسُ ابن عباس بيده لقد كان أول الإسلام ، وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة قد حَشَّ{[25043]} ، يعني : يبس .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، أخبرنا القاسم قال : اجتمع أبو هريرة وكعب ، فجعل أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل كعب يحدث عن الكُتُب ، فقال أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن لكل نبي دعوة مستجابة ، وإني قد خَبَأتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة » . فقال له كعب : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : فداك أبي وأمي - أو : فداه أبي وأمي - أفلا أخبرك عن إبراهيم عليه السلام ؟ إنه لما أُريَ ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان : إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدا . فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه ، فذهب الشيطان فدخل على سارة ، فقال : أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت : غدا به لبعض حاجته . قال : لم يغد لحاجة ، وإنما ذهب به ليذبحه . قالت : وَلِم يذبحه ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قالت : فقد أحسن أن يطيع ربه . فذهب الشيطان في أثرهما فقال للغلام : أين يذهب بك أبوك ؟ قال : لبعض حاجته . قال :{[25044]} إنه{[25045]} لا يذهب بك لحاجة ، ولكنه يذهب بك ليذبحك . قال : ولم يذبحني ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قال : فوالله لئن كان الله أمره بذلك ليفعلن . قال : فيئس منه فلحق{[25046]} بإبراهيم ، فقال : أين غدوت بابنك ؟ قال لحاجة . قال : فإنك لم تغد به لحاجة ، وإنما غدوت به لتذبحه قال : وَلم أذْبَحه ؟ قال : تزعم أن ربك أمرك بذلك . قال : فوالله لئن كان الله أمرني{[25047]} بذلك لأفعلن . قال : فتركه ويئس أن يطاع{[25048]} .

وقد رواه ابن جرير عن يونس ، عن ابن وَهْب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد{[25049]} بن جَاريَةَ الثقفي أخبره ، أن كعبا قال لأبي هريرة . . . فذكره بطوله ، وقال في آخره : وأوحى الله إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها . قال إسحاق : اللهم ، إني أدعو{[25050]} أن تستجيب لي : أيُّما عَبْد لقيك من الأولين والآخرين ، لا يشرك بك شيئًا ، فأدخله الجنة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن عطاء بن يسار{[25051]} ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[25052]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي ، وبين أن أختبئ شفاعتي ، فاختبأت شفاعتي ، ورجوت أن تُكَفّر الجَمَّ{[25053]} لأمتي ، ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي ، إن الله لما فرج عن إسحاق كرْبَ الذبح قيل له : يا إسحاق ، سل تعطه . فقال : أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان ، اللهم من مات لا يشرك بك شيئا فاغفر له وأدخله الجنة » .

هذا حديث غريب منكر{[25054]} . وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث ، وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مُدْرَجَة ، وهي قوله : " إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق " إلى آخره ، والله أعلم . فهذا إن كان محفوظا فالأشبه أن السياق إنما هو عن " إسماعيل " ، وإنما حرفوه بإسحاق ؛ حَسَدًا منهم كما تقدم ، وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة ، حيث كان إسماعيل لا إسحاق [ عليهما السلام ]{[25055]} ، فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام .


[25032]:- في ت، س، أ: "عز وجل".
[25033]:- زيادة من ت، وفي أ: "بمعنى".
[25034]:- في ت: "ومجاهد وغيرهما".
[25035]:- في أ: "شريج".
[25036]:- في ت: "بإسناده".
[25037]:- في أ: "لما أمر الله إبراهيم عليه السلام بالمناسك".
[25038]:- المسند (1/297)
[25039]:- في ت: "بسنده".
[25040]:- المسند (1/306).
[25041]:- في أ: "الذبح".
[25042]:- في س: "فأفلته".
[25043]:- (2) في س: "وشح".
[25044]:- (3) في أ: "فقال".
[25045]:- في س: "فإنه".
[25046]:- في ت، س: "فيئس منه فتركه فلحق".
[25047]:- في أ: "كان أمرني ربي".
[25048]:- تفسير عبد الرزاق (2/123)
[25049]:- في أ: "أسد".
[25050]:- في ت، س: "أدعوك".
[25051]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
[25052]:- (2) زيادة من ت.
[25053]:- (3) في أ: "أن تكون أعم".
[25054]:- ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3603) وابن عدي في الكامل (4/272) من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به، وذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/219) وقال: "سألت أبي، فقال: هذا حديث منكر".
[25055]:- زيادة من أ.