فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي استسلما لأمر الله وأطاعاه وانقادا له . قرأ الجمهور " أسلمنا " ، وقرأ عليّ ، وابن مسعود ، وابن عباس " فلما سلما " أي : فوضا أمرهما إلى الله ، وروي عن ابن عباس : أنه قرأ " استسلما " قال قتادة : أسلم أحدهما نفسه لله ، وأسلم الآخر ابنه ، يقال : سلم لأمر الله وأسلم ، واستسلم بمعنى واحد .

وقد اختلف في جواب " لما " ماذا هو ؟ فقيل هو محذوف ، وتقديره : ظهر صبرهما ، أو أجزلنا لهما أجرهما ، أو فديناه بكبش ، هكذا قال البصريون . وقال الكوفيون : الجواب هو { ناديناه } ، والواو زائدة مقحمة ، واعترض عليهم النحاس بأن الواو من حروف المعاني ، ولا يجوز أن تزاد ، وقال الأخفش : الجواب { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } ، والواو زائدة ، وروي هذا أيضاً عن الكوفيين ، واعتراض النحاس يرد عليه كما ورد على الأوّل { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } التلّ : الصرع والدفع ، يقال تللت الرجل : إذا ألقيته ، والمراد أنه أضجعه : على جبينه على الأرض ، والجبين : أحد جانبي الجبهة ، فللوجه جبينان ، والجبهة بينهما ، وقيل : كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرّقة لقلبه . واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه ، فقيل : هو مكة في المقام . وقيل : في المنحر بمنى عند الجمار . وقيل : على الصخرة التي بأصل جبل ثبير ، وقيل : بالشام .

/خ113