فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي استسلما لأمر الله وأطاعاه ، وانقادا له وخضعا ، قرأ الجمهور : أسلما ، وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس : فلما سلما أي فوضا أمرهما إلى أمر الله ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ : استسلما ، قال قتادة : أسلم أحدهما نفسه لله ، وأسلم الآخر ابنه ، يقال : سلم لأمر الله وأسلم واستسلم بمعنى واحد ، وقد اختلف في جواب ( لما ) ماذا هو ؟ فقيل محذوف تقديره : ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما ، أو فديناه بكبش ، هكذا قال البصريون ، وقال الكوفيون : الجواب هو ناديناه ، والواو زائدة مقحمة ، واعترض عليهم النحاس بأن الواو من حروف المعاني ولا يجوز أن تزاد ، وقال الأخفش : الجواب وتله للجبين والواو زائدة ، وروي هذا أيضا عن الكوفيين ، ويرد عليه اعتراض النحاس كما ورد على الأول .

{ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي صرعه وأسقطه على شقه ، وقيل : هو الرمي بقوة وأصله من رماه على التل ، وهو المكان المرتفع ، أو من التليل وهو العنق ، أي رماه على عنقه ، ثم قيل : لكل إسقاط وإن لم يكن على تل ولا على عنق ، وفي القاموس : تله تلا من باب قتل فهو متلول وتليل صرعه وألقاه على عنقه وخذه ، يقال : تللت الرجل إذا ألقيته ، والتل الصرع والدفع ، والمراد أنه أضجعه على جبينه على الأرض ، والجبين ما انكشف من الجبهة قال السمين .

وفي المصباح : الجبين ناحية الجبهة من محاذاة النزعة إلى الصدغ ، وهما جبينان عن يمين الجهة وشمالها ، قاله الأزهري وابن فارس وغيرهما فتكون الجبهة بين جبينين ، وجمعه جبن بضمتين مثل بريد وبرد ، وأجبنة مثل أسلمة ، وقيل : المعنى كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرقة لقلبه ، واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه فقيل : هو مكة في المقام ، وقيل في المنحر بمنى عند الجمار ، وقيل : على الصخرة التي بأصل جبل ثبير ، وقيل بالشام .