قوله تعالى : { إن الذين يكفرون بآيات الله } . يجحدون بآيات الله يعني القرآن ، وهم اليهود والنصارى .
قوله تعالى : { ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } . قرأ حمزة : ويقاتلون الذين يأمرون بالألف . قال : ابن جريح : كان الوحي يأتي على أنبياء بني إسرائيل ولم يكن يأتيهم كتاب الله ، فيذكرون قومهم ، فيقتلون أنبياءهم ، فيقوم رجال ممن تبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم ، فيقتلون أيضاً ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو عبد الله الحسين ابن محمد فنجويه الدينوري ، أنا أبو نصر منصور بن جعفر النهاوندي ، أنا أحمد بن يحيى بن الجارود ، أنا محمد بن عمرو بن حيان ، أنا محمد بن حمير ، أنا أبو الحسن مولى بني أسد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة ؟ قال : " رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) إلى أن انتهى إلى قوله ( وما لهم من ناصرين ) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً في أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعاً في آخر النهار في ذلك اليوم ، فهم الذين ذكرهم الله في كتابه وأنزل الآية فيهم .
قوله تعالى : { فبشرهم بعذاب أليم } أخبرهم ( بعذاب أليم ) وجيع ، وإنما أدخل الفاء على الباء في خبر إن لتضمن " الذين " معنى الشرط والجزاء ، لأن تقديره الذين يكفرون ويقتلون فبشرهم ، لأنه يقال : إن زيدا فقائم .
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
هؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية ، أشد الناس جرما وأي جرم أعظم من الكفر بآيات الله التي تدل دلالة قاطعة على الحق الذي من كفر بها فهو في غاية الكفر والعناد ويقتلون أنبياء الله الذين حقهم أوجب الحقوق على العباد بعد حق الله ، الذين أوجب الله طاعتهم والإيمان بهم ، وتعزيرهم ، وتوقيرهم ، ونصرهم وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك ، ويقتلون أيضا الذين يأمرون الناس بالقسط الذي هو العدل ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته إحسان إلى المأمور ونصح له ، فقابلوهم شر مقابلة ، فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات أشد العقوبات ، وهو العذاب المؤلم البالغ في الشدة إلى غاية لا يمكن وصفها ، ولا يقدر قدرها المؤلم للأبدان والقلوب والأرواح .
ولكنه لا يدعهم حتى يبين لهم مصيرهم الذي ينتظرهم وينتظر أمثالهم وفق سنة الله الماضية أبدا في المكذبين والبغاة :
( إن الذين يكفرون بآيات الله ، ويقتلون النبيين بغير حق ، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، فبشرهم بعذاب أليم ) .
فهذا هو المصير المحتوم : عذاب اليم . لا يحدده بالدنيا أو بالآخرة . فهو متوقع هنا وهناك .
استئناف لبيان بعض أحوال اليهود ، المنافية إسلامَ الوجه لله ، فالمراد بأصحاب هذه الصلات خصوص اليهود ، وهم قد عُرفوا بمضمون هذه الصلات في مواضع كثيرة من القرآن . والمناسبة : جريان الجدال مع النصارى وأن جُعلوا جميعاً في قَرَن قولِه : { وقل للذين أوتوا الكتاب والأمين أأسلمتم } ( آل عمران : 20 ) .
( وجيء في هاته الصلات بالأفعال المضارعة لتدل على استحضار الحالة الفظية ، وليس المراد إفادة التجدّد ؛ لأنّ ذلك وإن تأتَّى في قوله : { يكفرون } لا يتأتَّى في قوله : { ويقتلون } لأنَّهم قتلوا الأنبياء والذين يأمرون بالقسط في زمنٍ مضى . والمراد من أصحاب هذه الصلات يهود العَصر النبوي : لأنّهم الذين توعّدهم بعذاب أليم ، وإنّما حَمَل هؤلاء تبِعة أسلافهم لأنّهم معتقدون سداد ما فعله أسلافهم ، الذين قتلوا زكرياء لأنّه حاول تخليصَ ابنه يَحيَى من القتل ، وقتلوا يحيَى لإيمانه بعيسى ، وقتلوا النبي إرْمِيَاء بمصر ، وقتلوا حزقيال النبي لأجل توبيخه لهم على سوء أفعالهم ، وزعموا أنّهم قتلوا عيسى عليه السلام ، فهو معدود عليهم بإقرارهم وإن كانوا كاذبين فيه ، وقَتَل مَنشا ابنُ حزقيال ، ملكُ إسرائيل ، النبي أشعياء : نشره بالمِنشار لأنّه نهاه عن المنكر ، بمرأى ومسمع من بني إسرائيل ، ولم يحموه ، فكان هذا القتل معدوداً عليهم ، وكم قتلوا ممّن يأمرون بالقسط ، وكل تلك الجرائم معدودة عليهم ؛ لأنّهم رضُوا بها ، وألَحّوا في وقوعها .
وقوله : { بغير حق } ظرف مستقر في موضع الحال المؤكّدة لمضمون جملةِ { يقتلون النبيّئين } إذ لا يكون قتل النبيّئين إلاّ بغير حق ، وليس له مفهوم لظهور عدم إرادة التقييد والاحترازِ ؛ فإنّه لا يقتل نبيء بحق ، فذكر القيد في مثله لا إشكال عليه ، وإنّما يجيء الإشكال في القيد الواقع في حَيّز النفي ، إذا لم يكن المقصود تسلّط النفي عليه مثل قوله تعالى : { لا يسألون الناس إلحافاً } [ البقرة : 273 ] وقولِه : { ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } وقد تقدم في سورة البقرة ( 41 .
والمقصود من هذه الحال زيادة تشويه فعلهم .
ولما كان قوله : { ويقتلون الذين يأمرون بالقسط } مومئاً إلى وجه بناء الخبر : وهو أنَّهم إنّما قتلوهم لأنّهم يأمرون بالقسط أي بالحق ، فقد اكتفي بها في الدلالة على الشناعة ، فلم تحتج إلى زيادة التشنيع .
وقرأ الجمهور من العشرة { يقتلون } الثاني مثل الأول بسكون القاف وقرأه حمزة وحده « ويُقاتلون » بفتح القاف بعدها بصيغة المفاعلة وهي مبالغة في القتل .
والفاء في { فبشّرهم } فاء الجواب المستعملةُ في الشرط ، دخلت على خبر إنّ لأنّ اسم إنّ وهو موصول تضمن معنى الشرط ، إشارة إلى أنّه ليس المقصود ، قوماً معيّنين ، بل كل من يتَّصف بالصلة فجزاؤه أنّ يَعلم أنّ له عذاباً أليماً . واستعمل بشّرهم في معنى أنذرهم تهكّماً .
وحقيقة التبشير : الإخبار بما يُظهر سرور المخبَر ( بفتح الباء ) وهو هنا مستعمل في ضدّ حقيقته ، إذ أريد به الإخبار بحصول العذاب ، وهو موجب لحزن المخبَرين ، فهذا الاستعمال في الضدّ معدود عند علماء البيان من الاستعارة ، ويسمّونها تهكّمية لأنّ تشبيه الضدّ بضدّه لا يروج في عقل أحد إلاّ على معنى التهكّم ، أو التمليح ، كما أطلق عمرو ابن كلثوم .
اسم الأضياف على الأعداء ، وأطلق القرى على قتل الأعداء ، في قوله :
نزلتم مَنزل الأضيافِ منّا *** فعَجَّلْنَا القِرى أن تشتمونا
قَرَيْنَاكُم فعَجَّلْنا قِراكــم *** قُبَيْل الصُّبْح مِرْداةً طَحُونا
قال السكاكي : وذلك بواسطة انتزاع شَبه التضادّ وإلحافه بشَبه التناسب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.