إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21)

{ إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بآيات الله } أيَّ آيةٍ كانت فيدخُل فيهم الكافرون بالآيات الناطقةِ بحقية الإسلام على الوجه الذي مر تفصيلُه دخولاً أولياً

{ وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقّ } هم أهلُ الكتاب قتل أوّلوهم الأنبياءَ عليهم السلام وقتلوا أتباعَهم وهم راضون بما فعلوا وكانوا - قاتلهم الله تعالى - حائمين حول قتلِ النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن عصَم الله تعالى ساحتَه المنيعة ، وقد أُشير إليه بصيغة الاستقبال ، وقرئ بالتشديد للتكثير ، والتقييدُ بغير حق للإيذان بأنه كان عندهم أيضاً بغير حق { وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس } أي بالعدل ، ولعل تكريرَ الفعل للإشعار بما بين القتلين من التفاوت أو باختلافهما في الوقت ، عن أبي عبيدة بن الجراح قلتُ : يا رسول الله أيُّ الناسِ أشدُّ عذاباً يوم القيامة ؟ قال : « رجل قتل نبياً ، أو رجلاً أمر بمعروف ونهى عن منكر » ثم قرأها ثم قال : « يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيلَ ثلاثةً وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة فقام مائةٌ واثنا عشرَ رجلاً من عبّاد بني إسرائيل فأمروا قَتلَتهم بالمعروف ونهَوْهم عن المنكر فقُتلوا جميعاً من آخر النهار » وقرئ ويقاتلون الذين { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } خبر إن والفاء لتضمن اسمها معنى الشرط فإنها بالنسخ لا تغير معنى الابتداء بل تزيده تأكيداً وكذا الحال في النسخ بأن المفتوحة كما في قوله تعالى : { واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَيء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } [ الأنفال ، الآية 41 ] وكذا النسخ بلكن كما في قوله :

[ الطويل ]

فوالله ما فارقتُكم عن ملالة *** ولكنّ ما يقضى فسوف يكون{[118]}

وإنما يتغير معنى الابتداء في النسخ بليت ولعل وقد ذهب سيبويه والأخفش إلى منع دخول الفاء عند النسخ مطلقاً فالخبر عندهما .


[118]:وهو للأفوه الأودي في الدرر 2/40 وليس في ديوانه وبلا نسبة في أمالي القالي 1/99 وأوضح المسالك 1/438 وشرح قطر الندى ص 149 ومعجم البلدان 2/220 (الحجاز) والمقاصد النحوية 2/315 وفي البيت شاهدان: أولهما قوله: "ولكن ما" حيث دخلت "لكن" على "ما" الموصولة فلم تكفها عن العمل بل عملت "لكن" في "ما" وهي اسمها وقد زعم ابن هشام في قطر الندى ص 149 والأشموني في شرحه 1/108 أن "ما" هنا حرف زائد كاف. وثانيهما قوله: " فسوف يكون" حيث اقترن خبر "لكن" بالفاء وهذا جائز.