الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21)

قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ } : لَمَّا ضُمِّن هذا الموصولُ معنى الشرطِ دَخَلَتِ الفاءُ في خبرِه ، وهو قولُه : فبشِّرْهُم ، وهذا هو الصحيحُ ، أعني أنه إذا نُسِخَ المبتدأُ ب " إنَّ " فجوازُ دخولِ الفاءِ باقٍ ، لأن المعنى لم يتغيَّرْ ، بل ازدادَ تأكيداً ، وخَالَف الأخفشُ فمنعَ دخولَها مع نَسْخِه ب " إنَّ " ، والسماعُ حُجَّةٌ عليه كهذِه الآية ، وكقوله : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [ البروج : 10 ] الآية ، وكذلك إذا نُسِخَ ب " لكنَّ " كقوله :

فوالله ما فَارَقْتُكُمْ عن مَلالةٍ *** ولكنَّ ما يُقْضَى فسوف يكون

وكذلك إذا نُسِخَ ب " أنَّ " المفتوحة كقوله تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ [ خُمُسَهُ ] } [ الأنفال : 41 ] ، أمَّا إذا نُسِخَ بليت ولعل وكان امتنعتِ الفاءُ عند الجميعِ لتغيُّرِ المعنى .

قوله : { وَيَقْتُلُونَ } قرأ حمزة " ويُقاتلِون " من المقاتلة ، والباقون : " ويَقْتُلون " كالأولِ ، فأمَّا قراءةُ حمزةَ فإنه غايَرَ فيها بين الفعلين وهي موافقةٌ لقراءةِ عبد الله : " وقاتِلوا " من المقاتلة ، إلاَّ أنَّه أتى بصيغةِ الماضي ، وحمزةُ يُحْتمل أن يكونَ المضارعُ في قراءتِه لحكاية الحالِ ومعناه المضيُّ . وأمَّا الباقون فقيل في قراءتهم : إنما كَرَّر الفعلَ لاختلافِ متعلَّقه ، أو كُرِّر تأكيداً ، وقيل : المرادُ بأحدِ القَتْلين تفويتُ الروحِ وبالآخرِ الإِهانةُ ، فلذلك ذَكَر كلَّ واحدٍ على حِدَتِه ، ولولا ذلك لكان التركيبُ " ويقتلون النبيين والذين يَأْمُرون " .

وقرأ الحسن : " ويُقَتِّلون " بالتشديد ومعناه التكثيرُ ، وجاء هنا " بغيرِ حق " مُنَكَّراً ، وفي البقرة { بِغَيْرِ الْحَقِّ } [ الآية : 61 ] مُعَرَّفاً قيل : لأنَّ الجملةَ هنا أُخْرِجَتْ مُخْرَجَ الشرطِ ، وهو عامٌ لا يتخصَّصُ فلذلك ناسَبَ أن تُنَكَّر في سياقِ النفي ليعُمَّ ، وأمَّا في البقرةِ فجاءَتْ الآيةُ في ناسٍ مَعْهودين مُشَخَّصِين بأعيانِهم ، وكانُ الحقُّ الذي يُقْتَلُ به الإِنسانُ معروفاً عندهم فلم يُقْصَدْ هذا العمومُ الذي هنا ، فَجِيءَ في كلَّ مكان بما يناسِبُه . قوله :

" من الناس " : إمَّا بيانٌ وإمَّا للتبعيض ، وكلاهما معلومٌ أنهم من الناسِ ، فهو جارٍ مَجْرى التأكيدِ .