التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21)

قوله تعالى : ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير حق و يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ) ذلك حكم الله في الطغاة من الكافرين سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو المجوس أو الوثنيين ، أولئك العتاة الجاحدون الذين يكفرون بعقيدة الحق القائمة على التوحيد الخالص ، والذين يجترئون في صلف وعتو وفظاعة على قتل أنبياء الله بغير حق . وكذلك ( الذين يأمرون بالقسط من الناس ) أي الذين يأمرون بالعدل وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، أولئك هم دعاة الحق والهداية . الدعاة إلى طريق الله المستقيم في كل عصر ونصر . ومنهم الدعاة إلى دين الله القيوم في هذا الزمان . . . دعاة الإسلام .

إن الذين يجترئون على قتل النبيين ودعاة الإسلام العاملين المخلصين . أولئك هم الأشقياء من شر البشر الذين تجترئ طبائعهم الممسوخة وقلوبهم الجاحدة المريضة على مقارفة العدوان والنكر في أبشع صورة . تلك فظاعة العدوان والنكر في أبشع صورة . تلك هي فظاعة العدوان الصارخ على جلال الله وسلطانه الأعظم بقتل أنبيائه الأطهار وأتباعهم من دعاة الحق . . دعاة الإسلام .

على أن الإسلام في حقيقة أبعاده وشموله يعني الاستسلام لسلطان الله ، والامتثال لأوامره والوقوف عند حدوده ، وأساس ذلك كله عقيدة التوحيد الخالص لله دون سواه من المخاليق . وذلك إنما ينسحب على عامة الأديان السماوية الحقيقية الناصعة من غير أن يعتريها تحريف أو خلط أو تشويه .

وفي ذلك العدوان النكير على النبيين ودعاة الحق روي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة ؟ قال : " رجل قتل نبيا أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة وسبعون رجلا من بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله عز وجل " {[431]} .

فإن قيل : ذلك في الذين خلوا من بني إسرائيل إذ كان ديدنهم التقتيل فما جريرة أحفادهم في الأزمان التالية فيما بعد ؟ !

والجواب أنهم رضوا عما ورثوه عن آبائهم من تقتيل للنبيين وأتباعهم من الدعاة إلى الله ، فضلا عن براعة يهود في صور التدسس من خلف المجتمعات وهم يتآمرون على البشرية بتدبير المؤامرات والمخططات وأساليب الكيد والإفساد لتدمير القيم والأديان ، وإشاعة الفوضى والرعب ، وكذلك إثارة الفتن والحروب وغير ذلك من وجوه الإبادة والتخريب .

هؤلاء الذين قتلوا أنبياء الله وكادوا للمؤمنين كيدا قد توعدهم الله بالعذاب الموجع البئيس سواء في الدنيا حيث الذلة والصغار ، أو في الآخرة حيث التحريق والاضطرام في السعير الحامية المتأججة ، وذلك في قوله تعالى : ( فبشرهم بعذاب أليم ) والبشرى إذا أطلقت استعملت في الخير ، وإنما تكون للشر إذا قيدت به كهذه الآية والمراد هنا إنذار هؤلاء القوم بالعذاب الأليم{[432]} .


[431]:- تفسير ابن كثير جـ 1 ص 355.
[432]:- تفسير الرازي جـ 7 ص 232، 233 وتفسير الطبري جـ 3 ص 145 وتفسير ابن كثير جـ 1 ص 355 ومختار الصحاح ص 53.