معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

قوله تعالى : { إذ أنتم } ، أي : إذ أنتم نزول يا معشر المسلمين .

قوله تعالى : { بالعدوة الدنيا } ، أي : بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة ، والدنيا تأنيث الأدنى .

قوله تعالى : { وهم } ، يعني عدوكم من المشركين .

قوله تعالى : { بالعدوة القصوى } بشفير الوادي الأقصى من المدينة ، والقصوى تأنيث الأقصى ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة : بالعدوة بكسر العين فيهما ، والباقون بضمهما ، وهما لغتان : كالكسوة والكسوة ، والرشوة والرشوة .

قوله تعالى : { والركب } ، يعني : العير ، يريد أبا سفيان وأصحابه .

قوله تعالى : { أسفل منكم } ، أي : في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر ، على ثلاثة أميال من بدر .

قوله تعالى : { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد } ، وذلك أن المسلمين خرجوا ليأخذوا العير ، وخرج الكفار ليمنعوها ، فالتقوا على غير ميعاد ، فقال تعالى : { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد } لقلتكم ، وكثرة عدوكم .

قوله تعالى : { ولكن } الله جمعكم على غير ميعاد .

قوله تعالى : { ليقضي الله أمراً كان مفعولا } ، من نصر أوليائه ، وإعزاز دينه ، وإهلاك أعدائه .

قوله تعالى : { ليهلك من هلك عن بينة } أي ليموت من يموت على بينة رآها ، وعبرة عاينها ، وحجة قامت عليه .

قوله تعالى : { ويحيي من حي عن بينة } ، ويعيش من يعيش على بينة لوعده ، { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } [ الإسراء : 15 ] . وقال محمد بن إسحاق : معناه ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك ، فالهلاك هو الكفر ، والحياة هي الإيمان ، وقال قتادة : ليضل من ضل عن بينة ، ويهتدي من اهتدى على بينة ، قرأ أهل الحجاز ، وأبو بكر ، ويعقوب ، حيي بيائين ، مثل خشي ، وقرأ الآخرون : بياء واحدة مشددة ، لأنه مكتوب بياء واحدة مشددة .

قوله تعالى : { وإن الله لسميع } ، لدعائكم .

قوله تعالى : { عليم } ، بنياتكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

{ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ْ } أي : بعدوة الوادي القريبة من المدينة ، وهم بعدوته أي : جانبه البعيدة من المدينة ، فقد جمعكم واد واحد .

{ وَالرَّكْبُ ْ } الذي خرجتم لطلبه ، وأراد اللّه غيره { أَسْفَلَ مِنْكُمْ ْ } مما يلي ساحل البحر .

{ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ ْ } أنتم وإياهم على هذا الوصف وبهذه الحال { لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ْ } أي : لا بد من تقدم أو تأخر أو اختيار منزل ، أو غير ذلك ، مما يعرض لكم أو لهم ، يصدفكم عن ميعادكم{[347]}

{ وَلَكِنْ ْ } اللّه جمعكم على هذه الحال { لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ْ } أي : مقدرا في الأزل ، لا بد من وقوعه .

{ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ْ } أي : ليكون حجة وبينة للمعاند ، فيختار الكفر على بصيرة وجزم ببطلانه ، فلا يبقى له عذر عند اللّه .

{ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ْ } أي : يزداد المؤمن بصيرة ويقينا ، بما أرى اللّه الطائفتين من أدلة الحق وبراهينه ، ما هو تذكرة لأولي الألباب .

{ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ْ } سميع لجميع الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات ، عليم بالظواهر والضمائر والسرائر ، والغيب والشهادة .


[347]:- في ب: عن ميعادهم.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

41

وهنا يعود السياق إلى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان . . يعود إلى المعركة ، فيعيد عرضها بأسلوب عجيب في استحضار مشاهدها ومواقفها ، كما لو كانت معروضة فعلاً ، ويكشف عن تدبير الله في إدارتها . حتى ليكاد الإنسان يرى يد الله - سبحانه - من وراء الأحداث والحركات كما يكشف عن غاية ذلك التدبير التي تحققت كما أرادها الله سبحانه :

إذ أنتم بالعدوة الدنيا ، وهم بالعدوة القصوى ، والركب أسفل منكم . ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً . ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة ، وإن الله لسميع عليم . إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ، ولكن الله سلم ، إنه عليم بذات الصدور . وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وإلى الله ترجع الأمور .

إن المعركة شاخصة بمواقع الفريقين فيها ؛ وشاهدة بالتدبير الخفي من ورائها . . إن يد الله تكاد ترى ، وهي توقف هؤلاء وهؤلاء هناك والقافلة من بعيد ! والكلمات تكاد تشف عن تدبير الله في رؤيا الرسول [ ص ] وفي تقليل كل فريق في عين الفريق الآخر وفي إغراء كل منهما بالآخر . . وما يملك إلا الأسلوب القرآني الفريد ، عرض المشاهد وما وراء المشاهد بهذه الحيوية ، وبهذه الحركة المرئية ، وفي مثل هذه المساحة الصغيرة من التعبير !

وهذه المشاهد التي تستحضرها النصوص ، قد مر بنا في استعراض الوقعة من السيرة الإشارة إليها . . ذلك أن المسلمين حين خرجوا من المدينة نزلوا بضفة الوادي القريبة من المدينة ؛ ونزل جيش المشركين بقيادة أبي جهل بالضفة الأخرى البعيدة من المدينة ؛ وبين الفريقين ربوة تفصلهما . . أما القافلة فقد مال بها أبو سفيان إلى سيف البحر أسفل من الجيشين .

ولم يكن كل من الجيشين يعلم بموقع صاحبه . وإنما جمعهما الله هكذا على جانبي الربوة لأمر يريده . حتى لو أن بينهما موعداً على اللقاء ما اجتمعا بمثل هذه الدقة والضبط من ناحية المكان والموعد ! وهذا ما يذكر الله به العصبة المسلمة ليذكرها بتدبيره وتقديره .

( إذ أنتم بالعدوة الدنيا ، وهم بالعدوة القصوى ، والركب أسفل منكم ، ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

العامل في { إذ } قوله { التقى } و { العدوة } شفير الوادي وحرفه الذي يتعذر المشي فيه بمنزلة رجا البئر لأنها عدت ما في الوادي من ماء ونحوه أن يتجاوز الوادي أي منعته ، ومنه قول الشاعر :

عدتني عن زيارتك العوادي*** وحالت دونها حرب زبون

ولأنها ما عدا الوادي أي جاوزه ، وتسمى الضفة والفضاء المساير للوادي عدوة للمجاورة ، وهذه هي العدوة التي في الآية{[5367]} ، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «بالعُدوة » بضم العين ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «بالعِدوة » بكسر العين ، وهما لغتان ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وقتادة وعمرو «بالعَدوة » بفتح العين ، ويمكن أن تكون تسمية بالمصدر ، قال أبو الفتح : الذي في هذا أنها لغة ثالثة كقولهم في اللبن رَغوة ورِغوة ورُغوة ، وروى الكسائي : كلمته بحضرة فلان وحضرته إلى سائر نظائر ، ذكر أبو الفتح كثيراً منها ، وقوله { الدنيا } و { القصوى } إنما بالإضافة إلى المدينة ، وفي حرف ابن مسعود «إذا أنتم بالعدوة العليا وهم بالعدوة السفلى » ، ووادي بدر آخذ بين الشرق والقبلة منحرف إلى البحر الذي هو قريب من ذلك الصقع ، والمدينة من الوادي من موضع الوقعة منه في الشرق وبينهما مرحلتان ، حدثني أبي بأنه رأى هذه المواضع على ما وصفت وقال ابن عباس : بدر بين مكة والمدينة ، و { الدنيا } من الدنو ، و { القصوى } من القصو ، وهو البعد ، وكان القياس أن تكون القصيا لكنه من الشاذ ، وقال الخليل في العين : شذت لفظتان وهما القصوى والفتوى ، وكان القياس فيهما بالياء كالدنيا والعليا{[5368]} ، و { الركب } بإجماع من المفسرين غير أبي سفيان ، ولا يقال ركب إلا لركاب الإبل وهو من أسماء الجمع ، وقد يجمع راكب عليه كصاحب وصحب وتاجر وتجر ، ولا يقال ركب لما كثر جداً من الجموع .

وقال القتبي : الركب الشعرة ونحوها ، وهذا غير جيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قد قال «والثلاثة ركب »{[5369]} الحديث وقوله { أسفل } في موضع خفض تقديره في مكان أسفل كذا قال سيبويه ، قال أبو حاتم : نصب «أسفلَ » على الظرف ويجوز «الركب أسفل » على معنى وموضع الركب أسفل أو الركب مستقراً أسفل .

قال القاضي أبو محمد : وكان الركب ومدبر أمره أبو سفيان بن حرب قد نكب عن بدر حين نذر{[5370]} بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ سيف البحر{[5371]} فهو أسفل بالإضافة إلى أعلى الوادي من حيث يأتي ، وقال مجاهد في كتاب الطبري : أقبل أبو سفيان وأصحابه من الشام تجاراً لم يشعروا بأصحاب بدر ولم يشعر أصحاب محمد بكفار قريش ولا كفار قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى التقوا على ماء بدر من يسقي لهم كلهم ، فاقتتلو فغلبتهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأسروهم .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا تعقب ، وكان من هذه الفرق شعور يبين من الوقوف على القصة بكمالها ، وقوله { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد } قال الطبري وغيره : لو تواعدتم على الاجتماع ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لخالفتم ولم تجتمعوا معهم ، وقال المهدوي : المعنى أي لاختلفتم بالقواطع والعوارض القاطعة بين الناس .

قال القاضي أبو محمد : وهذا نيل{[5372]} واضح ، وإيضاحة أن المقصد من الآية نعمة الله وقدرته في قصة بدر وتيسيره ما يسر من ذلك ، فالمعنى : إذ هيأ الله لكم هذه الجمال ، ولو تواعدتم لها لاختلفتم إلا مع تيسير الذي تمم ذلك ، وهذا كما تقول لصاحبك في أمر سناه الله{[5373]} دون تعب كثير : ولو بنينا على هذا وسعينا فيه لم يتم هكذا ، ثم بين تعالى أن ذلك إنما كان بلطف الله عز وجل { ليقضي أمراً } أي لينفذ ويظهر أمراً قد قدره في الأول { مفعولاً } لكم بشرط وجودكم في وقت وجودكم ، وذلك كله معدوم عنده ، وقوله تعالى : { ليهلك من هلك عن بينة } الآية ، قال الطبري : المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم ببيان من الله وإعذار بالرسالة ، { ويحي } أيضاً ويعيش من عاش عن بيان منه أيضاً وإعذار لا حجة لأحد عليه ، فالهلاك والحياة على هذا التأويل حقيقتان ، وقال ابن إسحاق وغيره : معنى { ليهلك } أي ليكفر { ويحيى } أي ليؤمن فالحياة والهلاك على هذا مستعارتان والمعنى أن الله تعالى جعل قصة بدر عبرة وآية ليؤمن من آمن عن وضوح وبيان ويكفر أيضاً من كفر عن مثل ذلك ، وقرأ الناس «ليهلِك » بكسر اللام الثانية وقرأ الأعمش «ليهلَك » بفتح اللام ، ورواها عصمة عن أبي بكر عن عاصم ، و «البينة » صفة أي عن قضية بينة ، واللام الأولى في قوله { ليهلك } رد على اللام في قوله { ليقضي } .

وقرأ ابن كثير في رواية قنبل وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «من حيّ » بياء واحدة مشددة ، وقرأ نافع وابن كثير في رواية البزي وعاصم في رواية أبي بكر «من حيِيَ » بإظهار الياءين وكسر الأولى وفتح الثانية ، قال من قرأ «حيّ » فلأن الياء قد لزمتها الحركة فصار الفعل بلزوم الحركة لها مشبهاً بالصحيح مثل عض وشم ونحوه ، ألا ترى أن حذف الياء من جوارٍ في الجر والرفع لا يطرد في حال النصب إذا قلت رأيت جواري لمشابهتها بالحركة سائر الحروف الصحاح ، ومنه قوله { كلا إذا بلغت التراقي }{[5374]} ، وعلى نحو «حيّ » جاء قول الشاعر : [ مجزوء الكامل ]

عيّوا بأمرهم كما*** عيّتْ ببيضتها الحمامه{[5375]}

ومنه قول لبيد : [ الرمل ]

سألتني جارتي عن أمتي*** وإذا ما عيَّ ذو اللب سأل{[5376]}

وقول المتلمس : [ الطويل ]

فهذا أوان العرض حيّ ذبابه*** زنابيره والأزرق المتلمس{[5377]}

ويروى جن ذبابه{[5378]} ، قال أبو علي وغيره : هذا أن كل موضع تلزم الحركة فيه ياء مستقبلية{[5379]} فالإدغام في ماضيه جائز ، ألا ترى أن قوله تعالى : { على أن يحيي الموتى }{[5380]} لا يجوز الإدغام فيه لأن حركة النصب غير لازمة ، ألا ترى أنها تزول في الرفع وتذهب في الجزم ، ولا يلتفت إلى ما أنشد بعضهم لأنه بيت مجهول : [ الكامل ]

وكأنها بين النساء سبيكة*** تمشي بسدة بيتها فتعي{[5381]}

قال أبو علي : وأما قراءة من قرأ «حيي » ، فبين ولم يدغم ، فإن سيبويه قال : أخبرنا بهذه اللغة يونس ، قال وسمعنا بعض العرب يقول أحيياء{[5382]} قال أبو حاتم : القراءة إظهار الياءين والإدغام حسن فاقرأ كيف تعلمت فإن اللغتين مشهورتان في كلام العرب ، والخط فيه ياء واحدة .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذه اللفظة استوعب أبو علي القول فيما تصرف من «حيي » كالحي الذي هو مصدر منه وغيره .


[5367]:- جاء في (اللسان-عدا): "العدى والعٌدوة والعِدوة، كله: شاطئ الوادي"، ونقل عن الفراء: "العُدوة: شاطئ الوادي، الدنيا مما يلي المدينة، والقصوى مما يلي مكة" ونقل عن ابن السكيت: "عدوة الوادي وعِدوته: جانبه وحافته، والجمع عدى وعُدى". هذا وقد جاء بالكسر قول الراعي: وعينان حمر مآقيهمــــا كما نظر العدوة الجــؤذر وكذلك بيت أوس بن حجر: وفارس لو تحل الخيل عدوته وَّلوا سراعا وما هموا بإقبال
[5368]:- معظم علماء التصريف فصلّوا في (الفُعلى) مما لامه واو فقالوا: إن كان اسما أبدلت الواو ياء ثم يمثلون بما هو صفة نحو الدنيا والعليا والقصيا، وإن كان صفة أقرّت نحو الحلوى تأنيث الأحلى، ولهذا قالوا: شذ القصوى بالواو وهي لغة الحجاز، والقصيا لغة تميم. وذهب بعض النحويين إلى أنه إن كان اسما أقرت الواو نحو حزوى، وإن كان صفة أبدلت نحو الدنيا والعليا وشذ إقرارها نحو الحلو. راجع "البحر المحيط".
[5369]:- كاملا كما رواه في "الجامع الصغير": (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)، أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وأبو داود، والترمذي- عن ابن عمرو.
[5370]:- نذر بكسر الذال: علم، يقال: نذر بالشيء نذرا ونذارة: علمه فحذره، ويقال: نذروا بالعدو. (المعجم الوسيط).
[5371]:- السيف: ساحل البحر، وجمعه: أسياف، وفي حديث جابر: (أتينا سيف البحر) أي ساحله. (اللسان).
[5372]:- يعني أنه أنبل من قول الطبري وأشرف. وهو الصواب لما ذكره بعد ذلك، وقوله: "وإيضاحه" يعني: وتوضيح النبل والصحة...الخ.
[5373]:- سنّاه: أي سهّله ويسّره، يقال: سنّيت الشيء إذا فتحته ويسّرته، وتسنّى لي الشيء أي تيسر لي وتأتى، ومن هذا المعنى قول الشاعر: وأعلم علما ليس بالظن أنه إذا الله سنّى عقد شيء تيسرا وقد نقل أب حيان في البحر عبارة ابن عطية هكذا: "في أمر شاءه الله" من المشيئة.
[5374]:- الآية (26) من سورة (القيامة).
[5375]:- هذا البيت للشاعر الجاهلي المعروف عبيد بن الأبرص، وهو من قصيدة قالها بعد أن حبسه حجر الكندي والد امرئ القيس هو وأكثر قومه بني أسد حين امتنعوا عن دفع الجزية له في قصة طويل عرف فيها بنو أسد بأنهم "عبيد العصا" لأن حجرا كان يقتلهم بالعصا. والقصيدة تتضمن مفاخر بني أسد، ورواية البيت في الديوان تؤكد ما أشرنا إليه فلفظه فيه: برمت بنو أسد كما برمت ببيضتها الحمامه ورواية اللسان هي رواية ابن عطية هنا، وهي شاهد على أن (عيّ) تأتي مشددة الياء مثل (حيّ).
[5376]:- البيت غير موجود في ديوان لبيد، والقصيدة التي يمكن أن يكون واحدا من أبياتها هي التي بدأها بقوله: إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل.
[5377]:-المتلمّس هو جرير بن عبد المسيح الضبيعي، وبيته هذا من قصيدة يتحدث فيها عن إبائه ويسوق فيها الكثير من الحكمة، والعرض: واد في اليمامة، وحيّ ذبابة أ] عاش فيه بالخصب والحياة. و(زنابيره) بدل من (ذبابه)، والأزرق المتلمّس: نوع آخر من الذباب أخضر اللون كبير الحجم، يقول مخاطبا النعمان: هذا موسم ذلك الوادي المسمى بالعرض وقد حامت فيه أنواع مختلفة من الذباب وذلك دليل على خصبه. وقد سمي المتلمس لقوله هذا.
[5378]:-في بعض النسخ: دقّ ذبابه.
[5379]:- هي الياء الثانية التي تأتي بعد الياء الأولى وتكون حركتها لازمة. وقد شرح ابن عطية الفرق بين الحركة اللازمة والحركة العارضة التي تزول بزوال العامل.
[5380]:- من الآية (40) من سورة (القيامة).
[5381]:- ينسب هذا البيت إلى الحطيئة مع أنه غير موجود في ديوانه. والسبيكة: القطعة من الذهب أو الفضة الخالصة من الخبث المصبوبة في قالب على صورة معينة، والكلام هنا على التشبيه، والسدة: باب الدار، أو الظلة بباب الدار، أو الساحة بين يدي الباب، وقد جاء (تعيّ) بالإدغام مع أن حركة الياء الثانية غير لازمة.
[5382]:- على وزن أغنياء.