الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

قوله{[27471]} : { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى } إلى قوله : { لسميع{[27472]} عليم }[ 42 ، 43 ] ،

العمال في { إذ } قوله : { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان }[ 41 ] { إذ أنتم }{[27473]} .

والمعنى : إذ أنتم نزول شفير الوادي الأدنى إلى المدينة ، وعدوكم بشفير الوادي الأقصى إلى مكة{[27474]} .

{ والركب أسفل منكم }[ 42 ] .

أي : والعير التي فيها أبو سفيان وأصحابه أسفل منكم إلى ساحل البحر{[27475]} .

ولا يقال : ركب إلا للذين على الإبل{[27476]} .

وكان أبو سفيان قد أتى هو وأصحابه تجارا من الشام ، لم يشعروا بأصحاب بدر ، ولم يشعر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بكفار قريش ، ولا كفار قريش بأصحاب محمد عليه السلام ، حتى التقوا على ماء بدر{[27477]} .

{ ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد }[ 42 ] .

أي : لو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه عن ميعاد ، لاختلفتم ، لكثرة عدد عدوكم ، وقلة عددكم{[27478]} .

{ ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا }[ 42 ] .

أي : جمعكم{[27479]} الله عز وجل ، وإياهم { ليقضي الله } عز وجل ، { أمرا كان مفعولا } ، وذلك القضاء هو/نصره{[27480]} للمؤمنين ، وتعذيبه للمشركين بالسيف والأسر{[27481]} .

وقيل المعنى : لو كان [ ذلك ]{[27482]} [ عن ]{[27483]} ميعاد منكم ومنهم ، ثم بلغكم كثرة عددهم مع قلة عددكم ، ما لقيتموهم{[27484]} .

قال كعب بن مالك{[27485]} : إنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى بدر يريد عير قريش ، حتى جمع الله عز وجل ، بينهم وبين عدوهم{[27486]} ؛ لأن أبا جهل خرج ليمنع النبي صلى الله عليه وسلم ، من العير ، فالتقوا ببدر ، ولا يشعر كل واحد بصاحبه{[27487]} .

ثم قال تعالى : { ليهلك من هلك عن بينة }[ 42 ] .

أي : ليموت من مات عن حجة ، أي : جمعهم على غير ميعاد{[27488]} ، { ليهلك من هلك عن بينة } ، أي : عن حجة قطعت عذره{[27489]} ، ويعيش من عاش عن حجة قد ظهرت له{[27490]} .

وقيل المعنى : ليكفر من كفر عن أمر بين ، ويؤمن من آمن عن أمر بين{[27491]} .

{ وإن الله لسميع عليم }[ 42 ] .

أي : لقولكم{[27492]} : { عليم } بما تضمره نفوسكم في كل حال{[27493]} .

قوله : { من حيي }[ 42 ] .

من قرأ ب : " الإدغام " {[27494]} ، فإنه أدغم لاجتماع المثلين ؛ ولأنه في السواد{[27495]} ب : " ياء " واحدة{[27496]} .

ومن أظهر{[27497]} أجراه مجرى المستقبل{[27498]} ، فلما لم يجز الإدغام في المستقبل{[27499]} ، ( أجري الماضي على ذلك{[27500]} ، فأظهر ، وقد أجاز الفراء الإدغام في المستقبل ){[27501]} ، ومنعه جميع البصريين ؛ لأنه يجتمع في المستقبل حرفان متحركان ، ف : " الياء " الثانية حق أصلها أن تكون ساكنة ، ولا يقاس هذا على ما صح{[27502]} لم يخف ؛ لأن " يحيى " يحذف ياؤه للجزم ، ولا يحذف في " يخف " شيء للجزم .


[27471]:في الأصل: وقوله.
[27472]:في الأصل: "سميع" وهو تحريف.
[27473]:تفسير القرطبي 8/15، وفيه: "أو يكون المعنى: واذكروا إذ أنتم"، انظر: جامع البيان 13/563، والمحرر الوجيز 2/532، والبيان لابن الأنباري 1/388، وتفسير الرازي 8/172، والتبيان للعكبري 2/624، والدر المصون 3/421، وفتح القدير 2/355.
[27474]:جامع البيان 13/563، باختصار.
[27475]:المصدر نفسه.
[27476]:إعراب القرآن للنحاس 2/188، ونصه بتمامه: "والركب جمع راكب ولا تقول العرب: ركب إلا للجماعة الراكبي الإبل، وحكى ابن السكيت، وأكثر أهل اللغة أنه لا يقال: راكب وركب إلا للذين على الإبل خاصة، ولا يقال لمن كان على فرس أو غيرها: راكب". قال ابن السكيت في إصلاح المنطق 338:"...فإذا كان على حافر، برذونا كان أو فرسا أو بغلا أو حمارا، قلت: مر بنا فارس على حمار، ومر بنا فارس على بغل. وقال عمارة بن عقيل: لا أقول لصاحب الحمار: فارس، ولكن أقول: حمّار، ولا أقول لصاحب البغل: فارس، ولكني أقول بغال"، انظر: المحرر الوجيز 2/532، وتفسير القرطبي 8/15.
[27477]:وهو قول مجاهد في التفسير 355، وجامع البيان 13/564، وعنه نقل مكي بتصرف، والدر المنثور 4/73.
[27478]:جامع البيان 13/565، باختصار.
[27479]:في الأصل: حمكم، وهو سبق قلم ناسخ.
[27480]:في الأصل كلمة عسيرة القراءة، وفوقها ما أثبته. وفي ر: نصرة، وهو تصحيف.
[27481]:جامع البيان 13/566، بتصرف.
[27482]:زيادة من مصادر التوثيق أسفله، هامش 8.
[27483]:زيادة من "ر" ومصادر التوثيق أسفله.
[27484]:هو قول ابن إسحاق، كما في سيرة ابن هشام 1/672، وجامع البيان 13/566، بزيادة في لفظه، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1708، وتفسير ابن كثير 2/314.
[27485]:هو: كعب بن مالك بن أبي كعب الأنصاري، السلمي، بالفتح المدني: صحابي مشهور، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا، مات في خلافة علي، تقريب التهذيب 397.
[27486]:جامع البيان 13/566، وتفسير ابن كثير 2/314، وتمامه: "على غير ميعاد". قال الشيخ محمود شاكر رحمه الله، في هامش تحقيقه لجامع البيان، مصدر سابق: "وهذا الخبر جزء من خبر كعب بن مالك، الطويل في أمر غزوة تبوك، وما كان من تخلفه حتى تاب الله عليه. رواه أحمد في مسنده. ورواه البخاري في صحيحه...ورواه مسلم في صحيحه..."
[27487]:ما بعد: عدوهم إلى هنا، ليس من كلام كعب بن مالك، إنما هو لعمير بن إسحاق، كما في جامع البيان 13/567، وتفسير ابن كثير 2/314، بتصرف. قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان مصدر سابق: "وعمير بن إسحاق القرشي، لم يرو عنه غير ابن عون، متكلم فيه". انظر: تقريب التهذيب 259، و367.
[27488]:جامع البيان 13/568 بتصرف.
[27489]:المصدر نفسه.
[27490]:المصدر نفسه، بتصرف، ونصه: "{ويحيى من حيي عن بينة}[43]، يقول: وليعش من عاش منهم عن حجة الله قد أُثبتت له وظهرت لعينه فعلمها، جمعنا بينكم وبين عدوكم هنالك".
[27491]:هو قول محمد بن إسحاق، كما في سيرة ابن هشام 1/672، وجامع البيان 13/568، وتفسير ابن كثير 2/315، بتصرف في لفظه. قال ابن كثير: وهذا تفسير جيد.
[27492]:جامع البيان 13/569، وتمام نصه: "وقول غيركم، حين يري الله نبيه في منامه ويريكم عدوكم في أعينكم قليلا وهم كثير، ويراكم عدوكم في أعينهم قليلا".
[27493]:المصدر نفسه، ونصه: "...بما تضمره نفوسكم، وتنطوي عليه قلوبكم، حينئذ وفي كل حال".
[27494]:وهي قراءة ابن كثير في رواية قنبل، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة والكسائي، كما في كتاب السبعة 306. وهي اختيار سيبويه وأبي عبيد في إعراب القرآن للنحاس 2/188.
[27495]:في الأصل: في السراد، براء مهملة، وذال معجمة، وهو تحريف سيء لا معنى له. وأثبت الصواب من "ر": وإعراب القرآن للنحاس 2/188، الذي نقل عنه مكي. والسواد: العدد الكثير. المصباح/سود. وفي معاني القرآن للفراء:"...وهي أكثر قراءة القراء.".
[27496]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/188، فعنه نقل مكي، والكشف عن وجوه القراءات السبع 1/492، ومشكل إعراب القرآن 1/316.
[27497]:وهي قراءة نافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وابن كثير برواية البزي. إعراب القراءات السبع وعللها 1/225، وينظر: كتاب السبعة 306، ومعاني القراءات 1/440، وإتحاف فضلاء البشر 2/80، والهادي 2/267.
[27498]:قال في مشكل إعراب القرآن 1/316: "...جعل الماضي تبعا للمستقبل".
[27499]:في المصدر نفسه: "...لأن حركته غير لازمة، تنتقل من رفع إلى نصب أو إلى حذف جزم".
[27500]:في المصدر نفسه: "....وإن كانت حركة لامه لازمة، على أن حركة لام الماضي قد تسكن أيضا لاتصالها بمضمر مرفوع، فقد صارت في تغيرها كلام المستقبل فجرت في الإظهار مجراه".
[27501]:معاني القرآن 1/412. وينظر: إعراب القراءات السبع وعللها 1/226، وما بين الهلالين ساقط من "ر".
[27502]:كذا في الأصل: على ما صح لم يخف، ولم أجد له وجها مناسبا. وفي "ر" على ما لم يخف، ولم أجد له تخريجا مناسبا، ولعل في المخطوطتين سقطا أو تحريفا أو تصحيفا. وفي إعراب القرآن للنحاس 2/189، الذي نقل عنه مكي، ما يزيل الإبهام:"...والعلة في منعه [أي: الإدغام في المستقبل] أنك إذا قلت: "يحيى"، فـ"الياء" الثانية ساكنة، فلم يجتمع حرفان متحركان فيدغم. وقد كان الاختيار "لم يجفف، وإن كان يجوز 'لم يَجِفّ"، و"لم يَجَفّ"، فيجوز الإدغام، فأما في "يحيى" فلا يجوز، وأيضا فإن "الياء" تحذف في الجزم، فهذا مخالف ليجفّ...". قال أبو حيان في البحر 4/497: "والفك والإدغام لغتان مشهورتان". وهو ما أجازه ابن مالك في ألفيته، شرح ابن عقيل 2/588. وحيي أفكك وادّغم دون حذر *** كذاك نحو تتجلى واستتر ولمزيد من التوضيح انظر: معاني القرآن للفراء 1/411، 412، ومعاني القرآن للأخفش 1/350، ومعاني القرآن للزجاج 2/418، والمحرر الوجيز 2/533، 534، والدر المصون 3/423، 424.