الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

{ إِذْ أَنتُمْ } يا معشر المسلمين { بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا } شفير الوادي الأدنى إلى المدينة { وَهُم } يعني عدوكم من المشركين { بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } من الوادي الأقصى من المدينة { وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ } إلى ساحل البحر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي والمشركين بأسفله والعير قد [ انهرم ] به أبو سفيان على الساحل حتّى قدم مكّة .

وفي العدوة قراءتان : كسر العين وهو قراءة أهل مكّة والبصرة .

وضم العين وهو قرأ الباقين واختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، وهما لغتان مشهورتان كالكُسوة والكَسوة . والرُشوة والرَشوة . وينشد بيت الراعي :

وعينان حمر مآقيهما *** كما نظر العِدوة الجؤذر

بكسر العين .

وينشد بيت أوس بن حجر :

وفارس لو تحل الخيل عُدوته *** ولّوا سراعاً وما همّوا بإقبال

بالضم .

والدنيا تأنيث الأدنى ، والقصوى تأنيث الأقصى .

وكان المسلمون خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها فالتقوا من غير ميعاد قال الله { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ } لقلّلكم وكثرة عدوكم { وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه { لِّيَهْلِكَ } هذه اللام مكررة على اللام في قوله { لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } ويهلك { مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ } أي ليموت مَنْ يموت على بينة [ ولَهَاً وعِبْرةً ] عاينها وحجّة قامت عليه ، وكذلك حياة من يحيى لوعده

{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] .

وقال محمد بن إسحاق : ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت معذرته ويؤمن من آمن على [ مثواك ] .

وقال قتادة : ليضل من ضل عن بينة ويهتدي من اهتدى على بيّنة .

وقال عطاء : ليهلك من هلك عن بينة عن علم بما دخل فيه من الفجور { وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } عن علم ويقين بلا إله إلاّ الله . وفي ( حي ) قولان ، قرأ أهل المدينة : ( حيي ) بيائين مثل خشيي على الإيمان ، وقرأ الباقون ( حيّ ) بياء واحدة مشددة على الإدغام ، لأنّه في الكتاب بياء واحدة { وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ *