تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

وقوله تعالى : ( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى ) قال بعضهم : العدوة القصوى : شفير الوادي الأقصى والعدوة الدنيا شفير الوادي الأدنى . وكذلك قال القتبي : العدوة الشفير شفير الوادي .

وقال أبو عوسجة العدوة ناحية الوادي التي تليهم ، وقال : إنما سميت الدنيا ، لأنها دنت منها ، والآخرة لأنها استأخرت . وقيل في حرف ابن مسعود : إذ أنتم بالعدوة العليا ، وهو بالعدوة السفلى . وقال أبو معاذ : العُدْوة والعَدوة لغتان ، والركب والركبان والركاب والراكبون لعة . وقال : في حرف حفصة : إذ أنتم بالعدوة القصيا .

وقال بعضهم : إذ أنتم معشر المؤمنين بالعدوة الدنيا من دون الوادي على الشط مما يلي المدينة ( وهم بالعدوة القصوى ) من الجانب الآخر مما يلي مكة ؛ يعني مشركي مكة .

[ وقوله تعالى ][ في الأصل : عز وجل ، في م : وقوله عز وجل ] : ( والركب أسفل منكم ) يعني أصحاب العير على ساحل البحر أو على الماء . وقال قتادة : جمع الله المشركين والمسلمين ببدر على غير ميعاد عند[ في الأصل وم : هما ] شفير الوادي . كان المسلمون /201-ب/ بأعلاه ، والمشركون بأسفله : ( والركب أسفل منكم ) أبو سفيان انطلق بالعير في ركب نحو البحر[ في الأصل وم : الحرب ] . وقيل : إذ أنتم [ بأدنى من ][ في الأصل وم : باد في ] المدينة ، وهم بأقصى مما يلي مكة على ما ذكرنا .

وقوله تعالى : ( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ) إما للخروج نفسه وإما للميعاد نفسه ؛ أتخرجون ، أو لا تخرجون ؟ أو منكم من يؤخر الخروج عن وقت الميعاد ، ومنكم من لا يخرج رأسا ليقضي ذلك .

وقوله تعالى : ( وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ) يحتمل[ أدرج قبلها في م : لا ] لينجز الله ما كان وعد من الظفر والنصر ، أو ليقضي الله أمرا كان في علمه مفعولا ، لا أن ( إحدى الطائفتين أنها لكم ) كأنه قال : وعد الله [ أمرا ، كان ][ ساقطة من الأصل وم ] مفعولا أي منجزا .

ولا[ في الأصل وم : و ] يحتمل القضاء ابتداء إنشاء وخلق ، ولكن ليشئ الله ما قد علم أنه يكون كائنا ، أو ليحكم ما قد علم أنه يكون كائنا والله أعلم .

وقوله تعالى : ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) قال بعض أهل التأويل : ليكفر من كفر عن بينة وحجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الحق ، وكان صادقا ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك .

وعن ابن عباس رضي الله عنه ، [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : ( ليهلك من هلك عن بينة ) قال : ليموت من مات عن بينة ( ويحيى من حي عن بينة ) يقول : عن بيان وحجة . وهو ، والله أعلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أتاهم بآيات حسية ، فسموه ساحرا ، وأخبرهم بأنباء ماضية ، كانت[ أدرج قبلها في الأصل وم : التي ] في كتبهم ، فقالوا : ( إن هذا إلا أساطير الأولين )[ الأنعام : 25و . . ] وقالوا : إنه معلم ( إنما يعلمه بشر )[ النحل : 103 ] .

وقد كان رسول صلى الله عليه وسلم يخالفهم في جميع صنيعهم : من عبادتهم الأصنام والأوثان دون الله ، وكان يخوفهم ، ويوعدهم بأشياء ، وكان لا يخافهم ، وهم كانوا رؤساء كبراء ، لا يخالفهم أحد في أمرهم ونهيهم إلا من كان به حنون .

فلما رأوا رسول الله خالفهم في جميع أمورهم نسبوه إلى الجنون ، وقالوا : ( ساحر أو مجنون ) [ الذاريات39و52 ] ( وقالوا معلم مجنون )[ الدخان : 14 ] فأراد الله أن يجعل له آية عظمية حتى لا يقدروا [ على نسبته ][ في الأصل وم : بالنسبة ] إلى شيء مما كانوا ينسبونه من قبل ، فوعد لهم النصر والفتح يوم بدر بعد علم أولئك ضعف المؤمنين وقلة عددهم لتكون حياة من حي بعد ذلك عن بينة ، وموت من مات على مثل ذلك ، وإن كان له من الآيات ما لو لم يعاندوا ، ولا كابروا عقولهم لكانت واحدة منها كافية .

فإن قيل : ما الحكمة من ذكرالقصة من أولها إلى آخرها ، وهم قد علموا ذلك كله ، وشاهدوا ؟ قيل : يذكرهم الله ، والله أعلم ، بالحال التي كانوا هم عليها والقوة والأسباب ، لئلا[ في الأصل وم : لكن بالله ] يكلوا إلى الكثرة ، ولا يعتمدوا على القوة ، ولا يضعفوا ، ولا يجبنوا ، ولا يخافوا غيره ، ليعرفوا أن ما أصابهم من الهزيمة والغلبة أصابهم لمعصية كانت منهم أو إعجابا بالكثرة واعتقادا بالقوة والأسباب ، والله أعلم .