معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

قوله تعالى : { ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا } ، قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، ( يحسبن ) بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ، ( سبقوا ) أي : فأتوا ، نزلت في الذين انهزموا يوم بدر من المشركين . فمن قرأ بالياء يقول ( لا يحسبن الذين كفروا ) أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا ، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب ، قرأ ابن عامر .

قوله تعالى : { أنهم لا يعجزون } . بفتح الألف ، أي : لأنهم لا يعجزون ، ولا يفوتونني . وقرأ الآخرون بكسر الألف على الابتداء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

{ 59 ْ } { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ْ }

أي : لا يحسب الكافرون بربهم المكذبون بآياته ، أنهم سبقوا اللّه وفاتوه ، فإنهم لا يعجزونه ، واللّه لهم بالمرصاد .

وله تعالى الحكمة البالغة في إمهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة ، التي من جملتها ابتلاء عباده المؤمنين وامتحانهم ، وتزودهم من طاعته ومراضيه ، ما يصلون به المنازل العالية ، واتصافهم بأخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها ، فلهذا قال لعباده المؤمنين :

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

55

وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ

ويجب أن نذكر أن هذه الأحكام كانت تتنزل والبشرية بجملتها لا تتطلع إلى مثل هذا الأفق المشرق . لقد كان قانون الغابة هو قانون المتحاربين حتى ذلك الزمان . قانون القوة التي لا تتقيد بقيد متى قدرت . ويجب أن نذكر كذلك أن قانون الغابة هو الذي ظل يحكم المجتمعات الجاهلية كلها بعد ذلك إلى القرن الثامن عشر الميلادي حيث لم تكن أوربا تعرف شيئاً عن المعاملات الدولية إلا ما تقتبسه في أثناء تعاملها مع العالم الإسلامي . ثم هي لم ترتفع قط حتى اللحظة إلى هذا الأفق في عالم الواقع ؛ حتى بعد ما عرفت نظرياً شيئاً اسمه القانون الدولي ! وعلى الذين يبهرهم " التقدم الفني في صناعة القانون " أن يدركوا حقيقة " الواقع " بين الإسلام والنظم المعاصرة جميعاً !

وفي مقابل هذه النصاعة وهذه النظافة يعد الله المسلمين النصر ، ويهوّن عليهم أمر الكفار والكفر !

( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا ، إنهم لا يعجزون ) . .

فتبييتهم الغدر والخيانة لن يمنحهم فرصة السبق ، لأن الله لن يترك المسلمين وحدهم ، ولن يفلت الخائنين لخيانتهم . والذين كفروا أضعف من أن يعجزوا الله حين يطلبهم ، وأضعف من أن يعجزوا المسلمين والله ناصرهم .

فليطمئن أصحاب الوسائل النظيفة - متى أخلصوا النية فيها لله - من أن يسبقهم أصحاب الوسائل الخسيسة . فإنما هم منصورون بالله الذي يحققون سنته في الأرض ، ويعلون كلمته في الناس ، وينطلقون باسمه . يجاهدون ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلا تَحْسَبَنَّ } يا محمَّد { الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا } أي : فاتونا فلا نقدر عليهم ، بل هم تحت قهر قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا فلا يعجزوننا ، كما قال تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ العنكبوت : 4 ]أي : يظنون ، وقال تعالى : { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [ النور : 57 ] ، وقال تعالى{[13104]} { لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } [ آل عمران : 196 ، 197 ] .


[13104]:في د: "وقوله".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

{ ولا يحسبنّ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { الذين كفروا سبقوا } مفعولاه وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص بالياء على أن الفاعل ضمير أحد أو { من خلفهم } ، أو { الذين كفروا } والمفعول الأول أنفسهم فحذف للتكرار ، أو على تقدير أن { سبقوا } وهو ضعيف لأن أن المصدرية كالموصول فلا تحذف أو على إيقاع الفعل على { أنهم لا يُعجزون } بالفتح على قراءة ابن عامر وأن { لا } صلة و{ سبقوا } حال بمعنى سابقين أي مفلتين ، والأظهر أنه تعليل للنهي أي : لا تحسبنهم سبقوا فأفلتوا لأنهم لا يفوتون الله ، أو لا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم وكذا إن كسرت إن إلا أنه تعليل على سبيل الاستئناف ، ولعل الآية إزاحة لما يحذر به من نبذ العهد وإيقاظ العدو ، وقيل نزلت فيمن أفلت من فل المشركين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

وقوله تعالى : { ولا يحسبنَّ الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي «ولا تحسِبن » بالتاء مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وبكسر السين غير عاصم فإنه فتحها ، و { الذين كفروا } مفعول أول ، و { سبقوا } مفعول ثان ، والمعنى فأتوا بأنفسهم وأنجوها «إنهم لا يعجزون » بكسر ألف «إن » على القطع والابتداء ، و { يعجزون } معناه مفلتون ويعجزون طالبهم ، فهو ُمَعَّدى ( عجز ) بالهمزة تقول عجز زيد وأعجزه غيره وعجزه أيضاً ، قال سويد : [ الوافر ]

وأعجزنا أبو ليلى طفيل*** صحيح الجلد من أثر السلاحِ

وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في حرب النبي صلى الله عليه وسلم ، كقريش في بدر وغيرهم ، فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون ، وقيل معناه لا يعجزون في الدنيا ، وقيل المراد في الآخرة ، قال أبو حاتم وقرأ مجاهد وابن كثير وشبل «ولا تِحسبن » بكسر التاء ، وقرأ الأعرج وعاصم وخالد بن الياس «تَحسَبن » بفتح التاء من فوق وبفتح السين ، وقرأ الأعمش «ولا يَحسَب » بفتح السين والياء من تحت وحذف النون ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى «ولا يحسِبنّ » بياء من تحت وسين مكسورة ونون مشددة ، وقرأ حفص عن عاصم وابن عامر وحمزة «ولا يحسبْنَ » بالياء على الكناية عن غائب وبفتح السين ، فإما أن يكون في الفعل ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يكون التقدير ولا يحسبن أحد ، ويكون { قوله الذين كفروا } مفعولاً أولاً و { سبقوا } مفعولاً ثانياً ، وإما أن يكون { الذين كفروا } هم الفاعلون ، ويكون المفعول الأول مضمراً و { سبقوا } مفعول ثان ، وتقدير هذا الوجه ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا ، وإما أن يكون { الذين كفروا } هو الفاعل وتضمر «أن » فيكون التقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا ، وتسد أن سبقوا مسد المفعولين ، قال الفارسي : ويكون هذا كما تأوله سيبويه في قوله عز وجل قال { أفغير الله تأمروني أعبد }{[5428]} التقدير أن أعبد .

قال القاضي أبو محمد : ونحوه قول الشاعر : [ الطويل ]

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5429]}

قال أبو علي : وقد حذفت «أن » وهي مع صلتها في موضع الفاعل ، وأنشد أحمد بن يحيى في ذلك : [ الطويل ]

وما راعنا إلا يسير بشرطة*** وعهدي به قيناً يفش بكير{[5430]}

وقرأ ابن عامر وحده من السبعة «أنهم لا يعجزون » بفتح الألف من «أنهم » ، ووجهه أن يقدر بمعنى لأنهم لا يعجزون أي لا تحسبن عليهم النجاة لأنهم لا ينجون ، وقرأ الجمهور «يعْجزون » بسكون العين ، وقرأ بعض الناس فيما ذكر أبو حاتم «يعَجّزون » بفتح العين وشد الجيم ، وقرأ ابن محيصن «يعجزونِ » بكسر النون ومنحاها يعجِزوني بإلحاق الضمير ، قال الزجّاج : الاختيار فتح النون ويجوز كسرها على المعنى أنهم لا يعجزونني ، وتحذف النون الأولى لاجتماع النونين ، كما قال الشاعر : [ الوافر ]

تراه كالثغام يعل مسكاً*** يسوء الفاليات إذا فليني{[5431]}

قال القاضي أبو محمد : البيت لعمرو بن معد يكرب وقال أبو الحسن الأخفش في قول متمم بن نويرة : [ الكامل ]

ولقد علمت ولا محالة أنَّني*** للحادثات فهل تريني أجزع{[5432]} ؟

هذا يجوز على الاضطرار ، فقال قوم حذف النون الأولى وحذفها لا يجوز لأنها موضع الإعراب ، وقال أبو العباس المبرد : أرى فيما كان مثل هذا حذف الثانية ، وهكذا كان يقول في بيت عمرو بن معد يكرب ، وفي مصحف عبد الله «ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا أنهم لا يعجزون » قال أبو عمرو الداني بالياء من تحت وبغير نون في يحسب .

قال القاضي أبو محمد : وذكرها الطبري بنون .


[5428]:- من الآية (64) من سورة (الزمر).
[5429]:- الشاعر هو طرفة بن العبد، والبيت من معلقته، والرواية: "ألا أيهذا اللائمي.."، ورواية "الزاجري" هي التي رواها الشنتمري، والوغى: الحرب، والمعنى: يأيها الذي تزجرني أو تلومني على الاشتراك في الحروب وشهود اللذات، هل تضمن لي الخلود إن =كففت عنها؟ يريد أن أحدا لا يضمن له الخلود في الدنيا ولهذا فإن من حقه أن يتمتع بما يريد قبل الرحيل. و(احضر) هنا يجوز فيها الرفع والنصب.
[5430]:- يروى: "وما راعني"، والشرطة هو الشرطي، والجمع: شرط، وقد نقل في الصحاح عن الأصمعي أنهم سموا شرطا لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، وقال أبو عبيدة: لأنهم أعدّوا. والقين: الحداد، وجمعه قيون، والكير: كير الحداد وهو زق أو جلد غليظ ذو حافات، وأما المبني من الطين فهو الكور. وهذا البيت يذكره النحويون غير منسوب في موضوع خلافهم في الفاعل ونائبه: هل يكونانا جملة أم لا؟ فالمشهور المنع، وأجاز ذلك هشام وثعلب مطلقا، وفصل الفراء وجماعة بين الفعل القلبي والمعلق عن العمل وغيره، ودليل هشام وثعلب على الجواز هذا البيت. راجع "مغني اللبيب" لابن هشام.
[5431]:- البيت كما قال لعمرو بن معد يكرب، هكذا في سيبويه (2/ 154)، والخزانة 2/445، والضمير في (تراه) للشيب في الرأس، والثّغام بفتح الثاء المشددة: نبات إذ يبس صار = أبيض كالثلج، وبه يشبه الشيب، والعلّ والعلل هو الشرب ثانية، أو الشرب تباعا، والمعنى هنا: يُسقى المسك مرة بعد مرة، والفاليات: مخرجات القمل من الرأس، وهو مفعول به للفعل (يسوء). قال الأخفش في هذا البيت: "حذف النون الأخير لأن هذه النون وقاية للفعل وليست باسم، فأما النون الأولى فلا يجوز طرحها لأنها الاسم المضمر" هكذا في "الصحاح" عنه، وفي "الصحاح" أيضا: "وعلى هذا قرأ بعض القراء: {فبم تبشرون} فأذهب إحدى النونين استثقالا، وقال أبو حية النمري: أبالموت الذي لا بد أنّي مُلاق لا أباك تخوفيني؟ أراد: (تخوفينني) فحذف.
[5432]:- يريد: ترينني. والمعنى أنه لا يجزع أو يخاف من مصائب الأيام مع علمه بأنه معرض لها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما بدأه به أعداؤه من الخيانة مثل ما فعلت قريظة ، وما فعل عبد الله بن أبي سلول وغيرهم من فلول المشركين الذين نجوا يوم بدر ، وطمأنة له وللمسلمين بأنّهم سيدالون منهم ، ويأتون على بقيتهم ، وتهديد للعدوّ بأنّ الله سيمكّن منهم المسلمين .

والسبق مستعار للنجاة ممّن يَطلب ، والتفلّت من سلطته . شبه المتخلّص من طالبه بالسابق كقوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } [ العنكبوت : 4 ] وقال بعض بني فقعس

كأنكَ لم تُسبَق من الدهر مرة *** إذا أنت أدركتَ الذي كنت تطلب

أي كأنّك لم يفتك ما فاتك إذا أدركته بعد ذلك ، ولذلك قوبل السبق هنا بقوله تعالى : { إنهم لا يعجزون } ، أي هم وإن ظهرت نجاتهم الآن ، فما هي إلاّ نجاة في وقت قليل ، فهم لا يعجزون الله ، أو لا يعجزون المسلمين ، أي لا يُصِيِّرون من أفلِتوا منه عاجزاً عن نوالهم ، كقول إياس بن قبيصة الطائي :

ألم تر أنّ الأرض رحب فسيحة *** فهل تعج زَنِّي بُقعة من بقاعها

وحذف مفعول { يعجزون } لظهور المقصود .

وقرأ الجمهور { ولا تحسبن } بالتاء الفوقية . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، وأبو جعفر { ولا تحسبن } بالياء التحتية وهي قراءة مشكلة لعدم وجود المفعول الأول لحسب ، فزعم أبو حاتم هذه القراءة لحناً ، وهذا اجتراء منه على أولئك الايمة وصحة روايتهم ، واحتجّ لها أبو علي الفارسي بإضمار مفعول أول يدلّ عليه قوله : { إنهم لا يعجزون } أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا ، واحتج لها الزجاج بتقدير ( أنَّ ) قبل { سبقوا } فيكون المصدر سادّاً مسدّ المفعولين ، وقيل : حذف الفاعل لدلالة الفعل عليه . والتقدير : ولا يحسبنّ حاسب .

وقوله : { إنهم لا يعجزون } قرأه الجمهور بكسر همزة { إنهم } استئناف بياني جواباً عن سؤال تثيره جملة : { ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا } وقرأ ابن عامر { أنهم بفتح همزة ( أنّ ) على حذف لام التعليل فالجملة في تأويل مصدر هو علة للنهي ، أي لأنّهم لا يعجزون ، قال في « الكشّاف » : كلّ واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل إلاّ أنّ المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولا يحسبن الذين كفروا}... يعني كفار العرب، {سبقوا} سابقي الله بأعمالهم الخبيثة، {إنهم لا يعجزون} يقول: إنهم لن يفوقوا الله بأعمالهم الخبيثة حتى يعاقبهم الله بما يقولون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

... ولا تحسبنّ أنت يا محمد الذين جحدوا حجج الله وكذّبوا بها سبقونا بأنفسهم، ففاتونا، إنهم لا يعجزوننا: أي يفوتوننا بأنفسهم، ولا يقدرون على الهرب منا...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والحسبان هو: الظن. وقال الرماني: هو شك يقوى فيه أحد النقيضين لقوة المعنى في حيز القولين.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا} وذلك أن من أفلت من حرب بدر من الكفار خافوا أن ينزل بهم هلكة في الوقت فلما لم ينزل طغوا وبغوا فقال الله لا تحسبنهم سبقونا بسلامتهم الآن فإنهم لا يعجزوننا ولا يفوتوننا فيما يستقبلون من الأوقات.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

وعن الحسن البصري أنه قال: (لا يعجزون) معناه: إن فاتهم عذاب الدنيا لا يفوتهم من عذاب الآخرة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَحْسَبَنَّ} يا محمَّد {الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا} أي: فاتونا فلا نقدر عليهم، بل هم تحت قهر قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا فلا يعجزوننا، كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 4] أي: يظنون، وقال تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النور: 57]

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان نبذ العهد مظنة الخوف من تكثير العدو وإيقاظه، وكان الإيقاع أولى بالخوف، أتبع سبحانه ذلك ما يجري عليه ويسلي عن فوت من هرب من الكفار في غزوة بدر فلم يقتل ولم يؤسر {إنهم لا يعجزون} أي لا يفوتون شيئاً مما يزيد تسليطه عليهم، أي لا يغرنك علوهم وكثرتهم وجرى كثير من الأمور على مرادهم فكل ذلك بتدبيرنا، ولا يخرج شيء عن مرادنا، ولا بد أن نهلكهم فإنهم في قبضتنا، لم يخرجوا منها ولا يخرجون فضلاً عن أن يفوتوها فاصبر.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

والمراد من هذا إقناطهم من الخلاص وقطع أطماعهم الفارغة من الانتفاع بالنبذ، والاقتصار على دفع هذا التوهم وعدم دفع توهم سائر ما تتعلق به أمانيهم الباطلة من مقاومة المؤمنين أو الغلبة عليهم للتنبيه على أن ذلك مما لا يحوم عليه عقاب وهمهم وحسبانهم وإنما الذي يمكن أن يدور في خلدهم حسبان المناص فقط...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

وفي هذه الآية دليل على أن ما أوجبه الإسلام من المحافظة على العهود مع المحالفين من أعدائه المخالفين له في الدين، وما حرمه من الخيانة لهم فيها، ما شرعه من العدل والصراحة في معاملتهم ليس عن ضعف ولا عن عجز، بل عن قوة وتأييد إلهي وقد نصر الله تعالى المسلمين على اليهود الخائنين الناقضين لعهودهم، وثبت بهذا أن قتال المسلمين لهم وإجلاءهم لبقية السيف منهم من جوار عاصمة الإسلام ثم من مهده ومعقله (الحجاز) كان عدلا وحقا.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

وله تعالى الحكمة البالغة في إمهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة، التي من جملتها ابتلاء عباده المؤمنين وامتحانهم، وتزودهم من طاعته ومراضيه، ما يصلون به المنازل العالية، واتصافهم بأخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فتبييتهم الغدر والخيانة لن يمنحهم فرصة السبق، لأن الله لن يترك المسلمين وحدهم، ولن يفلت الخائنين لخيانتهم. والذين كفروا أضعف من أن يعجزوا الله حين يطلبهم، وأضعف من أن يعجزوا المسلمين والله ناصرهم. فليطمئن أصحاب الوسائل النظيفة -متى أخلصوا النية فيها لله- من أن يسبقهم أصحاب الوسائل الخسيسة. فإنما هم منصورون بالله الذي يحققون سنته في الأرض، ويعلون كلمته في الناس، وينطلقون باسمه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما بدأه به أعداؤه من الخيانة مثل ما فعلت قريظة، وما فعل عبد الله بن أبي سلول وغيرهم من فلول المشركين الذين نجوا يوم بدر، وطمأنة له وللمسلمين بأنّهم سيدالون منهم، ويأتون على بقيتهم، وتهديد للعدوّ بأنّ الله سيمكّن منهم المسلمين. {إنهم لا يعجزون}، أي هم وإن ظهرت نجاتهم الآن، فما هي إلاّ نجاة في وقت قليل، فهم لا يعجزون الله، أو لا يعجزون المسلمين.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الحقيقة التي يريدنا الله عز وجل أن نفهمها هي أن هؤلاء الكفار الذين فروا وسبقوا، ولم تلحقهم أيدي المسلمين، هؤلاء لا يعجزون الله تعالى ولا يخرجون عن قدرته سبحانه وتعالى وسوف يأتيهم العذاب في وقت لاحق، إما بانقضاء الأجل وإما في معركة ثانية.