معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

قوله تعالى : { إنا أخلصناهم } اصطفيناهم ، { بخالصة ذكرى الدار } قرأ أهل المدينة : { بخالصة } مضافاً ، وقرأ الآخرون بالتنوين ، فمن أضاف فمعناه : أخلصناهم بذكرى الدار الآخرة ، وأن يعملوا لها ، والذكرى : بمعنى الذكر . قال مالك بن دينار : نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها ، وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها . وقال قتادة : كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله عز وجل . وقال السدي : أخلصوا بخوف الآخرة . وقيل : معناه أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة . قال ابن زيد : ومن قرأ بالتنوين فمعناه : بخلة خالصة ، وهي ذكرى الدار ، فيكون ذكرى بدلاً عن الخالصة . وقيل : أخلصناهم : جعلناهم مخلصين ، بما أخبرنا عنهم من ذكر الآخرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

{ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ } عظيمة ، وخصيصة جسيمة ، وهي : { ذِكْرَى الدَّارِ } جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم ، والعمل لها صفوة وقتهم ، والإخلاص والمراقبة للّه وصفهم الدائم ، وجعلناهم ذكرى الدار يتذكر بأحوالهم المتذكر ، ويعتبر بهم المعتبر ، ويذكرون بأحسن الذكر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

17

كما يذكر من صفتهم التكريمية أن الله أخلصهم بصفة خاصة ليذكروا الدار الآخرة ، ويتجردوا من كل شيء سواها : ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) . . فهذه ميزتهم ورفعتهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

قوله { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } : قال مجاهد : أي جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هَمّ غيرها . وكذا قال السدي : ذكرهم للآخرة وعملهم لها .

وقال مالك بن دينار : نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها . وكذا قال عطاء الخراساني .

وقال سعيد بن جُبَيْر : يعني بالدار الجنة يقول : أخلصناها لهم بذكرهم لها ، وقال في رواية أخرى : { ذِكْرَى الدَّارِ } عقبى الدار .

وقال قتادة : كانوا يذَكّرون الناس الدار الآخرة والعمل لها .

وقال ابن زيد : جعل لهم خاصة أفضل شيء في الدار الآخرة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

{ إنا أخلصناهم بخالصة } جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها هي : { ذكرى الدار } تذكرهم الدار الآخرة دائما فإن خلوصهم في الطاعة بسببها ، وذلك لأن مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه وذلك في الآخرة ، وإطلاق { الدار } للإشعار بأنها الدار الحقيقة والدنيا معبر ، وأضاف نافع وهشام { بخالصة } إلى { ذكرى } للبيان أو لأنه بمعنى الخلوص فأضيف إلى فاعله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

وقرأ نافع وحده : «إنا أخلصناهم بخالصةِ ذكرى الدار » على إضافة «خالصةِ » إلى { ذكرى } ، وهي قراءة أبي جعفر والأعرج وشيبة . وقرأ الباقون والناس : «بخالصةٍ ذكر الدار » على تنوين «خالصة » ، وقرأ الأعمش : «بخالصتهم ذكر الدار » ، وهي قراءة طلحة .

وقوله : { بخالصة } يحتمل أن يكون خالصة اسم فاعل كأنه عبر بها عن مزية أو رتبة ، فأما من أضافها إلى «ذكرى » ، ف { ذكرى } مخفوض بالإضافة ، ومن نون «خالصةٍ » ، ف { ذكرى } بدل من «خالصة » ، ويحتمل قوله : { بخالصة } أن يكون «خالصة » مصدراً كالعاقبة وخائنة الأعين وغير ذلك ، ف { ذكرى } على هذا ما أن يكون في موضع نصب بالمصدر على تقدير : { إنا أخلصناهم } بأن أخلصنا لهم ذكرى الدار ، ويكون «خالصة » مصدراً من أخلص على حذف الزوائد ، وإما أن يكون { ذكرى } في موضع رفع بالمصدر على تقدير { إنا أخلصناهم } بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، وتكون «خالصة » من خلص .

و { الدار } في كل وجه في موضع نصب ب { ذكرى } ، و { ذكرى } مصدر ، وتحتمل الآية أن يريد ب { الدار } دار الآخر على معنى { أخلصناهم } ، بأن خلص لهم التذكير بالدار الآخرة ودعاء الناس إليها وحضهم عليها ، وهذا قول قتادة ، وعلى معنى خلص لهم ذكرهم للدار الآخرة وخوفهم لها والعمل بحسب قول مجاهد . وقال ابن زيد : المعنى إنا وهبناهم أفضل ما في الدار الآخرة وأخلصناهم به وأعطيناهم إياه ، ويحتمل أن يريد ب { الدار } دار الدنيا على معنى ذكر الثناء والتعظيم من الناس والحمد الباقي الذي هو الخلد المجازي ، فتجيء الآية في معنى قوله : { لسان صدق } [ مريم : 50 ، الشعراء : 84 ] وفي معنى قوله : { وتركنا عليه في الآخرين } [ الصافات : 78 ، 108 ، 119 ، 129 } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

وجملة { إنَّا أخلصناهُم } علة للأمر بذكرهم لأن ذكرهم يكسب الذاكر الاقتداء بهم في إخلاصهم ورجاء الفوز بما فازوا به من الاصطفاء والأفضلية في الخير . و { أخْلَصْناهُم } : جعلناهم خالصين ، فالهمزة للتعدية ، أي طهرناهم من درَن النفوس فصارت نفوسهم نقية من العيوب العارضة للبشر ، وهذا الإِخلاص هو معنى العصمة اللازمة للنبوءة .

والعصمة : قوة يجعلها الله في نفس النبي تَصْرِفُه عن فعل ما هو في دينه معصية لله تعالى عمداً أو سهواً ، وعمّا هو موجب للنفرة والاستصغار عند أهل العقول الراجحة من أمة عصره . وأركان العصمة أربعة :

الأول : خاصية للنفس يخلقها الله تعالى تقتضي ملكة مانعة من العصيان .

الثاني : حصول العلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات .

الثالث : تأكد ذلك العلم بتتابع الوحي والبيان من الله تعالى .

الرابع : العتاب من الله على ترك الأوْلى وعلى النسيان .

وإسناد الإِخلاص إلى الله تعالى لأنه أمر لا يحصل للنفس البشرية إلا بجعل خاص من الله تعالى وعناية لَدُنِيّة بحيث تنزع من النفس غلبة الهوى في كل حال وتصرف النفس إلى الخير المحض فلا تبقى في النفس إلا نزعات خفيفة تُقلع النفس عنها سريعاً بمجرد خطورها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم « إني لُيَغَانُ على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة » .

والباء في { بخالصةٍ } للسببية تنبيهاً على سبب عصمتهم . وعبر عن هذا السبب تعبيراً مجملاً تنبيهاً على أنه أمر عظيم دقيق لا يتصور بالكنه ولكن يعرف بالوجه ، ولذلك استحضر هذا السبب بوصف مشتق من فعل { أخلصناهم } على نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن اقْتناعه من أكل لحم الضبّ " أني تحضرني من اللَّه حاضرة " أي حاضرة لا توصف ، ثم بُيّنت هذه الخالصة بأقصى ما تعبر عنه اللغة وهي أنها { ذِكرى الدَّارِ } .

والذكرى : اسم مصدر يدل على قوة معنى المصدر مثل الرّجعى والبُقيا لأن زيادة المبنَى تقتضي زيادة المعنى . والدار المعهودة لأمثالهم هي الدار الآخرة ، أي بحيث لا ينسون الآخرة ولا يقبلون على الدنيا ، فالدار التي هي محلّ عنايتهم هي الدار الآخرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " فأقول مَا لي وللدنيا " . وأشار قوله تعالى : { بخالصةٍ ذكرى الدَّارِ } إلى أن مبدأ العصمة هو الوحي الإِلهي بالتحذير مما لا يرضي الله وتخويف عذاب الآخرة وتحبيب نعيمها فتحدث في نفس النبي صلى الله عليه وسلم شدة الحذر من المعصية وحبُّ الطاعة ثم لا يزال الوحي يتعهده ويوقظه ويجنبه الوقوع فيما نُهي عنه فلا يلبث أن تصير العصمة ملكة للنبيء يكره بها المعاصي ، فأصل العصمة هي منتهى التقوى التي هي ثمرة التكليف ، وبهذا يمكن الجمع بين قول أصحابنا : العصمة عدم خَلق المعصية مع بقاء القدرة على المعصية ، وقوللِ المعتزلة : إنها ملكة تمنع عن إرادة المعاصي ، فالأولون نظروا إلى المبدأ والأخيرون نظروا إلى الغاية ، وبه يظهر أيضاً أن العصمة لا تنافي التكليف وترتَّب المدححِ على الطاعات .

وقرأ نافع وهشام عن ابن عامر وأبو جعفر « خالصة » بدون تنوين لإِضافته إلى { ذكرى الدارِ } والإضافة بيانية لأن { ذِكرى الدَّارِ } هي نفس الخالصة ، فكأنه قيل : بذكرى الدار ، وليست من إضافة الصفة إلى الموصوف ولا من إضافة المصدر إلى مفعوله ولا إلى فاعله ، وإنما ذكر لفظ « خالصة » ليقع إجمال ثم يفصل بالإِضافة للتنبيه على دقة هذا الخلوص كما أشرنا إليه . والتعريفُ بالإِضافة لأنها أقصى طريق للتعريف في هذا المقام . وقرأ الجمهور بتنوين « خالصةً » فيكون { ذكرى الدار } عطف بيان أو بدلاً مطابقاً . وغرض الإجمال والتفصيل ظاهر . وإضافة « خالصة » إلى { ذِكرى الدَّارِ } في قراءة نافع من إضافة الصفة إلى الموصوف وإبدالها منها في قراءة الجمهور من إبدال الصفة من الموصوف . ويجوز أن يكون { ذِكرى } مرادف الذكر بكسر الذال ، أي الذكر الحسن ، كقوله تعالى : { وجعلنا لهم لسان صدق علياً } [ مريم : 50 ] وتكون { الدَّارِ } هي الدار الدنيا . ويجوز أن يكون مرادفاً للذُّكر بضم الذال وهو التذكر الفكري ومراعاة وصايا الدين . و { الدار } : الدار الآخرة .