محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

{ إنا أخلصناهم } أي صفيناهم عن شوب صفات النفوس وكدورة حظوظها ، وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } أي الباقية والمقر الأصلي ، أي استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس ، وإعراضهم عن معدن الرجس ، مستشرفين لأنوارنا ، لا التفات لهم إلى الدنيا وظلماتها أصلا .

لطيفة :

قال السمين : قرأ نافع وهشام : { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } بالإضافة . وفيها أوجه : أحدها - أن يكون أضاف خالصة إلى ذكرى للبيان . لأن الخالصة قد تكون ذكرى وغير ذكرى . كما في قوله : { بشهاب قبس } لأن الشهاب يكون قبسا وغيره . الثاني - أن خالصة مصدر بمعنى إخلاص ، فيكون مصدرا مضافا لمفعوله ، والفاعل محذوف ، أي بأن أخلصوا ذكر الدار وتناسوا عند ذكرها ذكر الدنيا . وقد جاء المصدر على ( فاعلة ) كالعاقبة . أو يكون المعنى بأن أخلصنا نحن لهم ذكرى الدار .

وقرأ الباقون بالتنوين وعدم الإضافة . وفيها أوجه : أحدها - أنها مصدر بمعنى الإخلاص ، فيكون { ذكرى } منصوبا به ، وأن يكون بمعنى الخلوص ، فيكون { ذكرى } مرفوعا به ، والمصدر يعمل منوّنا كما يعمل مضافا . أو يكون { خالصة } اسم فاعل على بابه . و { ذكرى } بدل أو بيان لها أو منصوب بإضمار ( أعني ) أو هو مرفوع على إضمار مبتدأ ، و { الدار } يجوز أن يكون مفعولا به ب { ذكرى } وأن يكون ظرفا إما على الاتساع وإما على إسقاط الخافض . و { خالصة } إن كانت صفة ، فهي صفة لمحذوف . أي بسبب خصلة خالصة . انتهى .