فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

وجملة : { إِنَّا أخلصناهم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار } تعليل لما وصفوا به . قرأ الجمهور : { بخالصة } بالتنوين ، وعدم الإضافة على أنها مصدر ، بمعنى : الإخلاص ، فيكون ذكرى منصوباً به ، أو بمعنى : الخلوص ، فيكون ذكرى مرفوعاً به ، أو يكون خالصة اسم فاعل على بابه ، وذكرى بدل منها ، أو بيان لها ، أو بإضمار أعني ، أو مرفوعة بإضمار مبتدأ ، والدار يجوز أن تكون مفعولاً به لذكرى ، وأن تكون ظرفاً : إما على الاتساع ، أو على إسقاط الخافض ، وعلى كل تقدير ، فخالصة صفة لموصوف محذوف ، والباء للسببية ، أي بسبب خصلة خالصة . وقرأ نافع ، وشيبة ، وأبو جعفر ، وهشام عن ابن عامر بإضافة خالصة إلى ذكرى على أن الإضافة للبيان ، لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى ، أو على أن خالصة مصدر مضاف إلى مفعوله ، والفاعل محذوف . أي : بأن أخلصوا ذكرى الدار ، أو مصدر بمعنى : الخلوص مضافاً إلى فاعله . قال مجاهد : معنى الآية : استصفيناهم بذكر الآخرة ، فأخلصناهم بذكرها . وقال قتادة : كانوا يدعون إلى الآخرة ، وإلى الله . وقال السدّي : أخلصوا بخوف الآخرة . قال الواحدي : فمن قرأ بالتنوين في خالصة كان المعنى : جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، والخالصة مصدر بمعنى : الخلوص ، والذكرى بمعنى : التذكر ، أي خلص لهم تذكر الدار ، وهو أنهم يذكرون التأهب لها ، ويزهدون في الدنيا ، وذلك من شأن الأنبياء . وأما من أضاف ، فالمعنى : أخلصنا لهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، والخالصة مصدر مضاف إلى الفاعل ، والذكرى على هذا المعنى : الذكر .

/خ54