فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ} (46)

{ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } تعليل لما وصفوا به من شرف العبودية ، وعلو الرتبة في العلم والعمل ، قرأ الجمهور بخالصة بالتنوين وعدم الإضافة على أنها مصدر بمعنى الإخلاص ، فيكون ذكرى منصوبا به أو بمعنى الخلوص ، فيكون ذكرى منصوبا به أو بمعنى الخلوص ، فيكون ذكرى مرفوعا به أو يكون خالصا اسم فاعل على بابه ، وذكرى بدل منها ، أو بيان لها أو منصوبة بإضمار أعني أو مرفوعة على إضمار مبتدأ ، والدار مفعول به بذكرى أو ظرف إما على الاتساع أو على إسقاط الخافض ، وعلى كل تقدير فخالصة صفة لموصوف محذوف ، والباء للسببية ، أي بسبب خصلة خالصة لا شوب فيها ، وقرئ بإضافة خالصة إلى ذكرى ، على أن الإضافة للبيان ، لأن الخالصة قد تكون ذكرى وغير ذكرى ، كما في قوله { شهاب قبس } لأن الشهاب يكون قبسا وغيره ، أو على أن خاصة مصدر مضاف إلى مفعوله ، والفاعل محذوف ، أي بأن أخلصوا ذكر الدار وتناسوا عند ذكرها ذكر الدنيا ، أو مصدر بمعنى الخلوص مضاف إلى فاعله ، قال مجاهد معنى الآية استصفيناهم بذكر الآخرة فأخلصناهم بذكرها ، وقال قتادة كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله ، وقال السدي : أخلصوا بخوف الآخرة .

قال الواحدي : فمن قرأ بالتنوين في خالصة كان المعنى جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، والخالصة مصدر بمعنى الخلوص ، والذكرى بمعنى التذكر ، أي خلص لهم تذكر الدار ، وهو أنهم يذكرون التأهب لها ويزهدون في الدنيا ، وذلك من شأن الأنبياء وأما من أضاف فالمعنى أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، والخاصة مصدر مضاف إلى الفاعل والذكرى على هذا المعنى الذكر .

قال ابن عباس أخلصوا بذكر دار الآخرة أن يعلموا لها وقيل : ذكرى الدار الثناء الجميل في الدنيا . وهذا شيء قد أخلصهم به ، فليس يذكر غيرهم في الدنيا بمثل ما يذكرون به يقويه قوله { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } قاله النسفي ، وفيه بعد . وقال ابن جزي : معناه إنا جعلناهم خالصين لنا أو خصصناهم دون غيرهم ، وأما الباء على الأول فهي للتعليل . وعلى الثاني هي لتعدية الفعل انتهى .