معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

قوله تعالى : { وجحدوا بها } أي : أنكروا الآيات ولم يقروا أنها من عند الله ، { واستيقنتها أنفسهم } يعني : علموا أنها من عند الله ، قوله : { ظلماً وعلواً } أي : شركاً وتكبراً عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى ، { فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

{ وَجَحَدُوا بِهَا } أي : كفروا بآيات الله جاحدين لها ، { وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } أي : ليس جحدهم مستندا إلى الشك والريب ، وإنما جحدهم مع علمهم ويقينهم{[589]} بصحتها { ظُلْمًا } منهم لحق ربهم ولأنفسهم ، { وَعُلُوًّا } على الحق وعلى العباد وعلى الانقياد للرسل ، { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } أسوأ عاقبة دمرهم الله وغرقهم في البحر وأخزاهم وأورث مساكنهم المستضعفين من عباده .


[589]:- في ب: تيقنهم.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

وقد استيقنت نفوسهم أنها الحق الذي لا شبهة فيه : ( واستيقنتها أنفسهم ) . قالوا جحودا ومكابرة ، لأنهم لا يريدون الإيمان ، ولا يطلبون البرهان . استعلاء على الحق وظلما له ولأنفسهم بهذا الاستعلاء الذميم .

وكذلك كان كبراء قريش يستقبلون القرآن ، ويستيقنون أنه الحق ، ولكنهم يجحدونه ، ويجحدون دعوة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إياهم إلى الله الواحد . ذلك أنهم كانوا يريدون الإبقاء على ديانتهم وعقائدهم ، لما وراءها من أوضاع تسندهم ، ومغانم تتوافد عليهم . وهي تقوم على تلك العقائد الباطلة ، التي يحسون خطر الدعوة الإسلاميه عليها ، ويحسونها تتزلزل تحت أقدامهم ، وترتج في ضمائرهم . ومطارق الحق المبين تدمغ الباطل الواهي المريب !

وكذلك الحق لا يجحده الجاحدون لأنهم لا يعرفونه . بل لأنهم يعرفونه ! يجحدونه وقد استيقنته نفوسهم ، لأنهم يحسون الخطر فيه على وجودهم ، أو الخطر على أوضاعهم ، أو الخطر على مصالحهم ومغانمهم . فيقفون في وجهه مكابرين ، وهو اضح مبين .

( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) . .

وعاقبة فرعون وقومه معروفة ، كشف عنها القرآن في مواضع أخرى . إنما يشير إليها هنا هذه الإشارة ، لعلها توقظ الغافلين من الجاحدين بالحق المكابرين فيه ، إلى عاقبة فرعون وقومه قبل أن يأخذهم ما أخذ المفسدين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

{ وَجَحَدُوا بِهَا } أي : في ظاهر أمرهم ، { وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } أي : علموا في أنفسهم أنها حق{[21976]} من عند الله ، ولكن جَحَدوها وعاندوها وكابروها ، { ظُلْمًا وَعُلُوًّا } أي : ظلما من أنفسهم ، سَجِيَّة ملعونة ، { وَعُلُوًّا } أي : استكبارًا عن اتباع الحق ؛ ولهذا قال : { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } أي : انظر يا محمد كيف كان عاقبة كُفرهم{[21977]} ، في إهلاك الله إياهم ، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة .

وفحوى الخطاب يقول : احذروا أيها المكذبون بمحمد ، الجاحدون لما جاء به من ربه ، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى ؛ فإن محمدًا ، صلوات الله وسلامه عليه{[21978]} أشرف وأعظم من موسى ، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى ، بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله ، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به ، وأخذ المواثيق له ، عليه{[21979]} من ربه أفضل الصلاة والسلام .


[21976]:- في ف ، أ : "صدق".
[21977]:- في ف ، أ : "أمرهم".
[21978]:- في ف : "صلى الله عليه وسلم".
[21979]:- في ف : "عليهم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

{ وجحدوا بها } وكذبوا بها . { واستيقنتها أنفسهم } وقد استيقنتها لأن الواو للحال . { ظلما } لأنفسهم . { وعلوا } ترفعا عن الإيمان ، وانتصابهما على العلة من { جحدوا } { فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

وظاهر قوله تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } حصول الكفر عناداً وهي مسألة قولين هل يجوز أن يقع أم لا ؟ فجوزت ذلك فرقة وقالت يجوز أن يكون الرجل عارفاً إلا أنه يجحد عناداً ويموت على معرفته وجحوده فهو بذلك في حكم الكافر المخلد ، قالوا وهذا حكم إبليس وحكم حيي بن أخطب وأخيه حسبما روي عنهما .

قال الفقيه الإمام القاضي : وإن عورض هذا المثال فرض إنسان ويجوز ذلك فيه وقالت فرقة لا يصح لوجهين :

أحدهما أن هذا لا يجوز وقوعه من عاقل ، والوجه الآخر أن المعرفة تقتضي أن تحل في القلب ، وذلك إيمان وحكم الكفر لا يلحقه إلا بأن يحل بالقلب كفر ، ولا يصح اجتماع الضدين في محل واحد ، قالوا : ويشبه في هذا العارف الجاحد أن يسلب عند الموافاة تلك المعرفة ويحل بدلها الكفر .

قال القاضي أبو محمد : والذي يظهر عندي في هذه الآية وكل ما جرى مجراها أن هؤلاء الكفرة كانوا إذا نظروا في آيات موسى عليه السلام أعطتهم عقولهم أنها ليست تحت قدرة البشر وحصل لهم اليقين أنها من عند الله تعالى ، فيغلبهم أثناء ذلك الحسد ويتمسكون بالظنون في أنه سحر وغير ذلك مما يختلج في الظن بحسب كل آية ، ويلجون في عماهم فيضطرب ذلك اليقين ويدفعونه في كل حيلة من التحيل لربوبية فرعون وغير ذلك ، حتى يستلب ذلك اليقين أو يدوم كذلك مضطرباً ، وحكمه المستلب في وجوب عذابهم ، و { ظلماً } معناه على غير استحقاق للجحد ، و «العلو » في الأرض أعظم آفة على طالبه . قال الله تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً }{[8996]} [ القصص : 83 ] . ثم عجبه تعالى من عقاب { المفسدين } قوم فرعون وسوء منقلبهم حين كذبوا موسى وفي هذا تمثيل لكفار قريش إذ كانوا مفسدين مستعلين ، وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش «ظلماً وعلياً » ، وحكى أبو عمرو الداني عنهم وعن أبان بن تغلب أنهم كسروا العين من «عِلياً » .


[8996]:من الآية 83 من سورة القصص.