البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

والأبلغ في : { واستيقنتها } أن تكون الواو واو الحال ، أي كفروا بها وأنكروها في الظاهر ، وقد استيقنت أنفسهم في الباطن أنها آيات من عند الله ، وكابروا وسموها سحراً .

وقال تعالى ، حكاية عن موسى في محاورته لفرعون : { قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر } { ظلماً } : مجاوزة الحد ، { وعلواً } : ارتفاعاً وتكبراً عن الإيمان ، وانتصبا على أنهما مصدران في موضع الحال ، أي ظالمين عالين ؛ أو مفعولان من أجلهما ، أي لظلمهم وعلوهم ، أي الحامل لهم على الإنكار والجحود ، مع استيقان أنها آيات من عند الله هو الظلم والعلو .

واستفعل هنا بمعنى تفعل نحو : استكبر في معنى تكبر .

وقرأ عبد الله ، وابن وثاب ، والأعمش ، وطلحة ، وأبان بن تغلب ، وعلياً : بقلب الواو ياء ، وكسر العين واللام ، وأصله فعول ، لكنهم كسروا العين اتباعاً ؛ وروي ضمها عن ابن وثاب والأعمش وطلحة ، وتقدم الخلاف في كفر العناد ، هل يجوز أن يقع أم لا ؟ والعاقبة : ما آل إليه قوم فرعون من سوء المنقلب ، وما أعد لهم في الآخرة أشد ، وفي هذا تمثيل لكفار قريش ، إذ كانوا مفسدين مستعلين ، وتحذير لهم أن يحل بهم مثل ما حل بمن كان قبلهم .