قوله تعالى :{ وحرام على قرية } قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ، وحرم بكسر الحاء بلا ألف ، وقرأ الباقون : بالألف حرام وهما : لغتان مثل حل وحلال . قال ابن عباس : معنى الآية وحرام على قرية أي أهل قرية { أهلكناها } أن يرجعوا بعد الهلاك ، فعلى هذا تكون لا صلة وقال آخرون : الحرام بمعنى الواجب ، فعلى هذا تكون لا ثابتة معناه واجب على أهل قرية أهلكناهم { أنهم لا يرجعون } إلى الدنيا . وقال الزجاج : معناه وحرام على أهل قرية أهلكناهم أي حكمنا بهلاكهم أن يتقبل أعمالهم لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون ، والدليل على هذا المعنى أنه قال في الآية التي قبلها { فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه } أي يتقبل عمله ، ثم ذكر هذه الآية عقبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله .
{ 95 } { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ }
أي : يمتنع على القرى المهلكة المعذبة ، الرجوع إلى الدنيا ، ليستدركوا ما فرطوا فيه فلا سبيل إلى الرجوع لمن أهلك وعذب ، فليحذر المخاطبون ، أن يستمروا على ما يوجب الإهلاك فيقع بهم ، فلا يمكن رفعه ، وليقلعوا وقت الإمكان والإدراك .
( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) . .
إنما يفرد السياق هذه القرى بالذكر بعد أن قال : ( كل إلينا راجعون ) لأنه قد يخطر للذهن أن هلاكها في الدنيا كان نهاية أمرها ، ونهاية حسابها وجزائها . فهو يؤكد رجعتها إلى الله ، وينفي عدم الرجعة نفيا قاطعا في صورة التحريم لوقوعه . وهو تعبير فيه شيء من الغرابة ، مما جعل المفسرين يؤولونه فيقدرون أن " لا " زائدة . وأن المعنى هي نفي رجعة القرى إلى الحياة في الدنيا بعد إهلاكها . أو نفي رجوعهم عن غيهم إلى قيام الساعة . وكلاهما تأويل لا داعي له . وتفسير النص على ظاهره أولى ، لأن له وجهه في السياق على النحو الذي ذكرنا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } .
اختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَحَرَامٌ فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة : «وَحِرْمٌ » بكسر الحاء . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة : وَحَرَامٌ بفتح الحاء والألف .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متفقتا المعنى غير مختلفتيه وذلك أن الحِرْم هو الحرام والحرام هو الحِرْم ، كما الحلّ هو الحلال والحلال هو الحلّ ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وكان ابن عباس يقرؤه : «وَحِرْم » بتأويل : وعزم .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا بن علية ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقرؤها : «وحِرْمَ على قرية » قال : فقلت لسعيد : أيّ شيء حرم ؟ قال : عزم .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي المعلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقرؤها : «وحِرْمٌ عَلى قَرْيَةٍ » قلت لأبي المعلى : ما الحرم ؟ قال : عزم عليها .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه كان يقرأ هذه الاَية : «وَحِرْمٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ » فلا يرجع منهم راجع ، ولا يتوب منهم تائب .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود عن عكرمة ، قال : وَحَرَامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ » قال : لم يكن ليرجع منهم راجع ، حرام عليهم ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا عيسى بن فرقد ، قال : حدثنا جابر الجعفي ، قال : سألت أبا جعفر عن الرجعة ، فقرأ هذه الاَية : وَحَرَامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ .
فكأن أبا جعفر وجه تأويل ذلك إلى أنه : وحرام على أهل قرية أمتناهم أن يرجعوا إلى الدنيا . والقول الذي قاله عكرِمة في ذلك أولى عندي بالصواب وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن تفريق الناس دينهم الذي بُعث به إليه الرسل ، ثم أخبر عن صنيعه بمن عمل بما دعته إليه رسله من الإيمان به والعمل بطاعته ، ثم أتبع ذلك قوله : وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ فلأن يكون ذلك خبرا عن صنيعه بمن أبى أجابة رسله وعمل بمعصيته وكفر به ، أحرى ، ليكون بيانا عن حال القرية الأخرى التي لم تعمل الصالحات وكفرت به .
فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : حرام على أهل قرية أهلكناهم بطبعنا على قلوبهم وختمنا على أسماعهم وأبصارهم ، إذ صدّوا عن سبيلنا وكفروا بآياتنا ، أن يتوبوا ويراجعوا الإيمان بنا واتباع أمرنا والعمل بطاعتنا . وإذ كان ذلك تأويل قوله الله : «وَحِرْمٌ » وعَزْم ، على ما قال سعيد ، لم تكن «لا » في قوله : أنّهُمْ لا يَرْجِعُونَ صلة ، بل تكون بمعنى النفي ، ويكن معنى الكلام : وعزم منا على قرية أهلكناها أن لا يرجعوا عن كفرهم . وكذلك إذا كان معنى قوله : «وَحَرَمٌ » نوجبه . وقد زعم بعضهم أنها في هذا الموضع صلة ، فإن معنى الكلام : وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا ، وأهل التأويل الذين ذكرناهم كان أعلم بمعنى ذلك منه
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.