السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

ولما كان هذا غير صريح في أنَّ هذا الرجوع بعد الموت بيّنه بقوله تعالى : { وحرام } أي : ممنوع { على قرية } أي : أهلها { أهلكناها } أي : بالموت { أنهم لا يرجعون } أي : إلينا بأن يذهبوا تحت التراب باطلاً من غير إحباس بل إلينا بموتهم راجعون فحبسناهم في البرزخ منعمين أو معذبين نعيماً أو عذاباً دون النعيم والعذاب الأكبر .

تنبيه : ما قدّرناه في الآية هو ما جرى عليه البقاعيّ والذي قدّره الزمخشري أنَّ معنى أهلكناها عزمنا على إهلاكها ، أو قدّرنا إهلاكها ، ومعنى الرجوع الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة ، فتكون لا مزيدة والذي قدّره الجلال المحلي أنّ لا زائدة أي : يمتنع رجوعهم إلى الدنيا فيكون الإهلاك بالموت ، وهذا قريب مما قاله ابن عباس فإنه قال : وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا بعد الهلاك ، فجعل لا زائدة قال البغويّ وقال آخرون : الحرام بمعنى الواجب ، فعلى هذا يكون لا ثابتاً ومعناه واجب على أهل قرية أهلكناهم أي : حكمنا بهلاكهم أن لا تتقبل أعمالهم لأنهم لا يرجعون أي : لا يتوبون والدليل على هذا المعنى أنه تعالى قال في الآية التي قبلها : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه } أي : يتقبل عمله ، ثم ذكر هذه الآية عقبه وبين أنّ الكافر لا يتقبل عمله انتهى والذي قدّره البيضاوي قريب مما قدّره الزمخشري وكل هذه التقادير صحيحة ؛ لكن الأوّل أظهر ، وقرأ شعبة وحمزة والكسائي بكسر الحاء وسكون الراء والباقون بفتح الحاء والراء وألف بعد الراء قال البغوي : وهما لغتان مثل حل وحلال .