البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

وقرأ الجمهور { وحرام } وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وطلحة والأعمش وأبو حنيفة وأبو عمرو في رواية وحِرْم بكسر الحاء وسكون الراء .

وقرأ قتادة ومطر الوراق ومحبوب عن أبي عمرو بفتح الحاء وسكون الراء .

وقرأ عكرمة وحُرِمٌ بكسر الراء والتنوين .

وقرأ ابن عباس وعكرمة أيضاً وابن المسيب وقتادة أيضاً بكسر الراء وفتح الحاء والميم على المضي بخلاف عنهما ، وأبو العالية وزيد بن عليّ بضم الراء وفتح الحاء والميم على المضي .

وقرأ ابن عباس أيضاً بفتح الحاء والراء والميم على المضيّ .

وقرأ اليماني وحُرِّمَ بضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم .

وقرأ الجمهور { أهلكناها } بنون العظمة .

وقرأ السلمي وقتادة بتاء المتكلم ، واستعير الحرام للممتنع وجوده ومنه { إن الله حرمهما على الكافرين } ومعنى { أهلكناها } قدرنا إهلاكها على ما هي عليه من الكفر ، فالإهلاك هنا إهلاك عن كفر و { لا } في { لا يرجعون } صلة وهو قول أبي عبيد كقولك : ما منعك أن لا تسجد ، أي يرجعون إلى الإيمان والمعنى وممتنع على أهل قرية قدرنا عليهم إهلاكهم لكفرهم رجوعهم في الدنيا إلى الإيمان إلى أن تقوم القيامة ، فحينئذ يرجعون ويقولون { يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا } وغياً بما قرب من مجيء الساعة وهو فتح { يأجوج ومأجوج } وقرىء { إنهم } بالكسر فيكون الكلام قد تم عند قوله { أهلكناها } ويقدر محذوف تصير به { وحرام على قرية أهلكناها } جملة أي ذاك ، وتكون إشارة إلى العمل الصالح المذكور في قسيم هؤلاء المهلكين ، والمعنى { وحرام على } أهل { قرية } قدرنا إهلاكهم لكفرهم عمل صالح ينجون به من الإهلاك ثم أكد ذلك وعلله بأنهم { لا يرجعون } عن الكفر ، فكيف لا يمتنع ذلك فالمحذوف مبتدأ والخبر { وحرام } وقدره بعضهم متقدماً كأنه قال : والإقالة والتوبة حرام .

وقراءة الجمهور بالفتح تصح على هذا المعنى وتكون { لا } نافية على بابها والتقدير لأنهم لا يرجعون .

وقيل { أهلكناها } أي وقع إهلاكنا إياهم ويكون رجوعهم إلى الدنيا فيتوبون بل هم صائرون إلى العذاب .

وقيل : الإهلاك بالطبع على القلوب ، والرجوع هو إلى التوبة والإيمان .

وقال الزجاج { وحرام على قرية أهلكناها } حكمنا بإهلاكها أن نتقبل أعمالهم لأنها { لا يرجعون } أي لا يتوبون ، ودل على هذا المعنى قوله قبل { فلا كفران لسعيه } أي يتقبل عمله ثم ذكر هذا عقيبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله .

وقال أبو مسلم بن بحر { حرام } ممتنع و { أنهم لا يرجعون } انتقام الرجوع إلى الآخرة ، وإذا امتنع الانتفاء وجب الرجوع فالمعنى أنه يجب رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة ويكون الغرض إنكار قول من ينكر البعث ، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد وأنه يجزى على ذلك يوم القيامة .

وقيل : الحرام يجيء بمعنى الواجب يدل عليه { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا } وترك الشرك واجب .

وقالت الخنساء :

حرام علي أن لا أرى الدهر باكيا *** على شجوه إلاّ بكيت على صخر

وأيضاً فمن الاستعمال إطلاق الضمير على ضده ، وعلى هذا فقال مجاهد والحسن { لا يرجعون } عن الشرك .

وقال قتادة ومقاتل إلى الدنيا .

قال ابن عطية : ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحاً وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم ، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين { أنهم لا يرجعون } بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه ، فيكون لا على بابها والحرام على بابه .

وكذلك الحرم فتأمله انتهى .