إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

{ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ } أي ممتنعٌ على أهلها غيرُ متصوَّر منهم ، وقرئ حِرْمٌ وهي لغة كالحِل والحلال { أهلكناها } قدّرنا هلاكها أو حكمنا به لغاية طغيانهم وعتوّهم وقوله تعالى : { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } في حيز الرفع على أنه مبتدأٌ خبرُه حرامٌ أو فاعل له سادٌّ مسدَّ خبرِه ، والجملةُ لتقرير مضمونِ ما قبلها من قوله تعالى : { كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون } وما في أنّ من معنى التحقيق معتبرٌ في النفي المستفادِ من حرامٌ لا من المنفي أي ممتنعٌ البتةَ عدمُ رجوعِهم إلينا للجزاء ، لا أن عدمَ رجوعِهم المحقق ممتنعٌ ، وتخصيصُ امتناعِ عدمِ رجوعِهم بالذكر مع شمول الامتناعِ لعدم رجوعِ الكل حسبما نطق به قوله تعالى : { كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون } لأنهم المنكِرون للبعث والرجوعِ دون غيرهم ، وقيل : ممتنعٌ رجوعُهم إلى التوبة على أن ( لا ) صلةٌ ، وقرئ أنهم لا يرجِعون بالكسر على أنه استئنافٌ تعليليٌّ لما قبله فحرامٌ خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي محرمٌ عليها ذلك وهو ما ذكر في الآية السابقة من العمل الصالح المشفوعِ بالإيمان والسعي المشكور ، ثم علل بقوله تعالى : { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } عما هم عليه من الكفر فكيف لا يمتنع ذلك ، ويجوز حملُ المفتوحة أيضاً على هذا المعنى بحذف اللامِ عنها ، أي لأنهم لا يرجعون وحتى في قوله تعالى : { حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وهم من كل حدب ينسلون } .