محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

ثم أشار إلى مقابل هؤلاء ، وهم من أعرض عن ذكره تعالى ، بلحوق الوعيد لهم ، لما جرت به سنته تعالى ، بقوله سبحانه :

{ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } .

{ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } ، أي وحرام على أهل قرية فسقوا عن أمر ربهم ، فأهلكهم بذنوبهم ، أن يرجعوا إلى أهلهم ، كقوله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون } وقوله : { فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون } وزيادة ( لا ) هنا لتأكيد معنى النفي من { حرام } وهذا من أساليب التنزيل البديعة البالغة النهاية في الدقة . وسر الإخبار بعدم الرجوع مع وضوحه ، هو الصدع بما يزعجهم ويؤسفهم ويلوعهم من الهلاك المؤبد ، وفوات أمنيتهم الكبرى ، وهي حياتهم الدنيا . وجعل أبو مسلم هذه الآية من تتمة ما قبلها ، و ( لا ) فيها على بابها . وهي مع { حرام } من قبيل نفي النفي . فيدل على الإثبات . والمعنى : وحرام على القرية المهلكة ، عدم رجوعها إلى الآخرة . بل واجب رجوعها للجزاء . فيكون الغرض إبطال قول من ينكر البعث . وتحقيق ما تقدم أنه لا كفران لسعي أحد . وأنه سبحانه سيحييه ، وبعلمه يجزيه . واللفظ الكريم يحتمله ويتضح فيه . إلا أن الأول لرعاية النظائر من الآي أولى . وأما ما ذكر سواهما ، فلا يدل عليه السياق ولا النظير . وفيه ما يخل بالبلاغة من التعقيد وفوات سلامة التعبير .