معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

قوله تعالى : { ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا } ، قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، ( يحسبن ) بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ، ( سبقوا ) أي : فأتوا ، نزلت في الذين انهزموا يوم بدر من المشركين . فمن قرأ بالياء يقول ( لا يحسبن الذين كفروا ) أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا ، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب ، قرأ ابن عامر .

قوله تعالى : { أنهم لا يعجزون } . بفتح الألف ، أي : لأنهم لا يعجزون ، ولا يفوتونني . وقرأ الآخرون بكسر الألف على الابتداء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

{ 59 ْ } { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ْ }

أي : لا يحسب الكافرون بربهم المكذبون بآياته ، أنهم سبقوا اللّه وفاتوه ، فإنهم لا يعجزونه ، واللّه لهم بالمرصاد .

وله تعالى الحكمة البالغة في إمهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة ، التي من جملتها ابتلاء عباده المؤمنين وامتحانهم ، وتزودهم من طاعته ومراضيه ، ما يصلون به المنازل العالية ، واتصافهم بأخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها ، فلهذا قال لعباده المؤمنين :

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

55

وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ

ويجب أن نذكر أن هذه الأحكام كانت تتنزل والبشرية بجملتها لا تتطلع إلى مثل هذا الأفق المشرق . لقد كان قانون الغابة هو قانون المتحاربين حتى ذلك الزمان . قانون القوة التي لا تتقيد بقيد متى قدرت . ويجب أن نذكر كذلك أن قانون الغابة هو الذي ظل يحكم المجتمعات الجاهلية كلها بعد ذلك إلى القرن الثامن عشر الميلادي حيث لم تكن أوربا تعرف شيئاً عن المعاملات الدولية إلا ما تقتبسه في أثناء تعاملها مع العالم الإسلامي . ثم هي لم ترتفع قط حتى اللحظة إلى هذا الأفق في عالم الواقع ؛ حتى بعد ما عرفت نظرياً شيئاً اسمه القانون الدولي ! وعلى الذين يبهرهم " التقدم الفني في صناعة القانون " أن يدركوا حقيقة " الواقع " بين الإسلام والنظم المعاصرة جميعاً !

وفي مقابل هذه النصاعة وهذه النظافة يعد الله المسلمين النصر ، ويهوّن عليهم أمر الكفار والكفر !

( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا ، إنهم لا يعجزون ) . .

فتبييتهم الغدر والخيانة لن يمنحهم فرصة السبق ، لأن الله لن يترك المسلمين وحدهم ، ولن يفلت الخائنين لخيانتهم . والذين كفروا أضعف من أن يعجزوا الله حين يطلبهم ، وأضعف من أن يعجزوا المسلمين والله ناصرهم .

فليطمئن أصحاب الوسائل النظيفة - متى أخلصوا النية فيها لله - من أن يسبقهم أصحاب الوسائل الخسيسة . فإنما هم منصورون بالله الذي يحققون سنته في الأرض ، ويعلون كلمته في الناس ، وينطلقون باسمه . يجاهدون ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك .