معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (62)

قوله تعالى : { وقال لفتيانه } ، قرأ حمزة والكسائي وحفص : { لفتيانه } بالألف والنون ، وقرأ الباقون : { لفتيته } بالتاء من غير ألف ، يريد لغلمانه ، وهما لغتان مثل الصبيان والصبية ، { اجعلوا بضاعتهم } ثمن طعامهم وكانت دراهم . وقال الضحاك عن ابن عباس : كانت النعال والأدم . وقيل : كانت ثمانية جرب من سويق المقل . والأول أصح . { في رحالهم } ، أوعيتهم ، وهي جمع رحل ، { لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا } ، انصرفوا ، { إلى أهلهم لعلهم يرجعون } . واختلفوا في السبب الذي فعله يوسف من أجله ، قيل : أراد أن يريهم كرمه في رد البضاعة وتقديم الضمان في البر والإحسان ، ليكون أدعى لهم إلى العود ، لعلهم يعرفونها ، أي : كرامتهم علينا . وقيل : رأى لؤما أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه ، فرده عليهم من حيث لا يعلمون تكرما . وقال الكلبي : تخوف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى . وقيل : فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة نفيا للغلط ولا يستحلون إمساكها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (62)

{ وَقَالَ } يوسف { لِفِتْيَانِهِ } الذين في خدمته : { اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ } أي : الثمن الذي اشتروا به من الميرة . { فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا } أي : بضاعتهم إذا رأوها بعد ذلك في رحالهم ، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لأجل التحرج من أخذها على ما قيل ، والظاهر أنه أراد أن يرغبهم في إحسانه إليهم بالكيل لهم كيلا وافيا ، ثم إعادة بضاعتهم إليهم على وجه لا يحسون بها ، ولا يشعرون لما يأتي ، فإن الإحسان يوجب للإنسان تمام الوفاء للمحسن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (62)

وقوله : { وَقال لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ } يقول تعالى ذكره : وقال يوسف لِفتيانه ، وهم غلمانه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَقالَ لِفِتيْانِهِ } أي لغلمانه : { اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالَهُمْ } يقول : اجعلوا أثمان الطعام الذي أخذتموها منهم في رحالهم .

والرحال : جمع رحل ، وذلك جمع الكثير ، فأما القليل من الجمع منه فهو أرحُل ، وذلك جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة .

وبنحو الذي قلنا في معنى البضاعة قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ : أي أوراقهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام ، فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : وقال لفتيته وهو يكيل لهم : اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون إليّ .

فإن قال قائل : ولأية علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم ؟ قيل : يحتمل ذلك أوجها : أحدها : أن يكون خشي أن لا يكون عند أبيه دراهم ، إذ كانت السّنة سنَة جدب وقحط ، فيضرّ أخذ ذلك منهم به ، وأحبّ أن يرجع إليه . أو أراد أن يتسع بها أبوه وإخوته مع حاجتهم إليه ، فردّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب ردّه تكرّما وتفضلاً ، والثالث : وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع ، إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملكه عليهم غيرهم عِوَضا من طعامهم ، ويتحرّجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدّوه على صاحبه ، فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (62)

قرأ الجمهور { لفتيته } بوزن فعلة جمع تكسير فتى مثل أخ وإخوة .

وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف { لفتيانه } بوزن إخوان . والأول صيغة قلة والثاني صيغة كثرة وكلاهما يستعمل في الآخر . وعدد الفتيان لا يختلف .

والفتى : من كان في مبدإ الشباب ، ومؤنثه فتاة ، ويطلق على الخادم تلطفاً ، لأنهم كانوا يستخفون بالشباب في الخدمة ، وكانوا أكثر ما يستخدمون العبيد .

والبضاعة : المال أو المتاع المعدّ للتجارة . والمراد بها هنا الدراهم التي ابتاعوا بها الطعام كما في التوراة .

وقوله : { لعلهم يعرفونها } رجاء أن يعرفوا أنها عين بضاعتهم إما بكونها مسكوك سكة بلادهم وإما بمعرفة الصَّرر التي كانت مصرورة فيها كما في التوراة ، أي يعرفون أنها وضعت هنالك قصداً عطية من عزيز مصر .

والرحال : جمع رحْل ، وهو ما يوضع على البعير من متاع الراكب ، ولذا سمي البعير راحلة .

والانقلاب : الرجوع ، وتقدم عند قوله تعالى : { انقلبتم على أعقابكم } في [ سورة آل عمران : 144 ] .

وجملة { لعلهم يرجعون } جواب للأمر في قوله : { اجعلوا بضاعتهم في رحالهم } لأنه لمّا أمرهم بالرجوع استشعر بنفاذ رأيه أنهم قد يكونون غير واجدين بضاعة ليبتاعوا بها الميرة لأنه رأى مخايل الضيق عليهم .