معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (60)

قوله تعالى : { للذين لا يؤمنون بالآخرة } ، يعني : لهؤلاء الذين يصفون لله البنات ، ولأنفسهم البنين ، { مثل السوء } ، صفة السوء من الاحتياج إلى الولد ، وكراهية الإناث ، وقتلهن خوف الفقر ، { ولله المثل الأعلى } ، الصفة العليا ، وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو . وقيل : جميع صفات الجلال والكمال ، من العلم ، والقدرة ، والبقاء ، وغيرها من الصفات . قال ابن عباس : " مثل السوء " : النار ، و " المثل الأعلى " : شهادة أن لا إله إلا الله .

{ وهو العزيز الحكيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (60)

ولما كان هذا من أمثال السوء ، التي نسبها إليه أعداؤه المشركون ، قال تعالى : { لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ } ، أي : المثل الناقص والعيب التام ، { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى } ، وهو : كل صفة كمال ، وكل كمال في الوجود ، فالله أحق به ، من غير أن يستلزم ذلك نقصا بوجه ، وله المثل الأعلى في قلوب أوليائه ، وهو التعظيم والإجلال والمحبة والإنابة والمعرفة . { وَهُوَ الْعَزِيزُ } ، الذي قهر جميع الأشياء ، وانقادت له المخلوقات بأسرها ، { الْحَكِيمُ } ، الذي يضع الأشياء مواضعها ، فلا يأمر ولا يفعل ، إلا ما يحمد عليه ، ويثنى على كماله فيه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه أن قوله : وَإذَا بُشّرَ أحدَهُمْ بالأنْثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ ، والآية التي بعدها مثل ضربه الله لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله البنات ، فبين بقوله : للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ ، أنه مثل ، وعنى بقوله جلّ ثناؤه : للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بالاَخِرَةِ ، للذين لا يصدّقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين . مَثَلُ السّوْءِ : وهو القبيح من المثل ، وما يسوء من ضرب له ذلك المثل . ولِلّهِ المَثَلُ الأعْلى ، يقول : ولله المثل الأعلى ، وهو الأفضل والأطيب ، والأحسن ، والأجمل ، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَلِلّهِ المَثَلُ الأعْلَى قال : شهادة أن لا إله إلا الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَلِلّهِ المَثَلْ الأعْلَى " ، الإخلاص والتوحيد .

وقوله : " وَهُوَ العَزِيرُ الحَكِيمُ " ، يقول تعالى ذكره : والله ذو العزّة التي لا يمتنع عليه معها عقوبة هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم في هذه الآيات ، ولا عقوبة من أراد عقوبته على معصيته إياه ، ولا يتعذّر عليه شيء أراده وشاءه ؛ لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره ، الحكيم في تدبيره ، فلا يدخل تدبيره خَلَل ولا خطأ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (60)

{ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السّوء } ، صفة السوء ، وهي الحاجة إلى الولد المنادية بالموت ، واستبقاء الذكور استظهارا بهم ، وكراهة الإناث ووأدهن ، خشية الإملاق . { ولله المثل الأعلى } ، وهو الوجوب الذاتي ، والغنى المطلق ، والجود الفائق ، والنزاهة عن صفات المخلوقين . { وهو العزيز الحكيم } ، المنفرد بكمال القدرة والحكمة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (60)

هذه الجملة معترضة جواباً عن مقالتهم التي تضمّنها قوله تعالى : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى } [ سورة النحل : 58 ] فإن لها ارتباطاً بجملة { ويجعلون لله البنات سبحانه } [ سورة النحل : 57 ] كما تقدّم ، فهي بمنزلة ، جملة سبحانه ، غير أن جملة سبحانه جواب بتنزيه الله عمّا نسبوه إليه ، وهذه جواب بتحقيرهم على ما يعاملون به البنات مع نسبتهم إلى الله هذا الصّنف المحقرّ عندهم .

وقد جرى الجواب على استعمال العرب عندما يسمعون كلاماً مكروهاً أو منكراً أن يقولوا للنّاطق به : بِفيك الحَجَر ، وبفيك الكَثْكَث ، ويقولون : تربت يداك ، وتربت يمينك ، واخسأ .

وكذلك جاء قوله تعالى { للذين لا يؤمنون بالأخرة مثل السوء } شتماً لهم .

والمَثَل : الحال العجيبة في الحسن والقبح ، وإضافته إلى السوء للبيان .

وعُرّفوا ب « الذين لا يؤمنون بالآخرة » لأنهم اشتهروا بهذه الصّلة بين المسلمين ، كقوله تعالى : { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } [ سورة النحل : 22 ] ، وقوله : { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } [ سورة سبأ : 8 ] .

وجملة { ولله المثل الأعلى } عطفت على جملة { للذين لا يؤمنون بالأخرة مثل السوء } لأن بها تكملة إفساد قولهم وذمّ رأيهم ، إذ نسبوا إلى الله الولد وهو من لوازم الاحتياج والعجز . ولمّا نسبوا إليه ذلك خصّوه بأخسّ الصنفين عندهم ، كما قال تعالى : { ويجعلون لله ما يكرهون } [ سورة النحل : 62 ] ، وإن لم يكن كذلك في الواقع ولكن هذا جرى على اعتقادهم ومؤاخذة لهم برأيهم .

و{ الأعلى } تفضيل ، وحذف المفضّل عليه لقصد العموم ، أي أعلى من كل مثل في العلوّ بقرينة المقام .

والسّوْء : بفتح السين مصدر ساءه ، إذا عمل معه ما يكره . والسّوء بضم السّين الاسم ، تقدم في قوله تعالى : { يسومونكم سوء العذاب } في سورة البقرة ( 49 ) .

والمثل تقدم تفصيل معانيه عند قوله تعالى : { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } في سورة البقرة ( 17 ) .

و{ العزيز الحكيم } تقدم عند قوله تعالى : { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } في سورة البقرة ( 209 ) .