تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (60)

الآية : 60 وقوله تعالى : { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء } قال بعضهم : قوله : { مثل السوء } أي جزاء السوء ، وهو النار . وقال الحسن : { مثل السوء } أي صفة السوء التي وصفوا بها ربهم أنه اختار البنات . { ولله المثل الأعلى } ، أي : الصفة الأعلى التي ليس لها شبه ، فإن تلك الصفة ، هي صفته . ويشبه أن يكون قوله لهم : { مثل السوء } ، بما سماهم مرة موتى ، ومرة فسقة ، ومرة وهم في الظلمات وأمثاله . ( وصفهم بتلك الأوصاف ) {[10222]} بما أنكروا الآخرة ؛ وذلك مما توجب الحكمة والعقل والشريعة ، فلهم ذلك الوصف ، والمثل السوء ؛ بما أنكروا ما توجبه الحكمة والعقل والشريعة .

ويحتمل مثل السوء النعت والصفة . فإن كان هو ، على الشبه ، فهو في الدنيا لما شبههم في غير آية من القرآن بالشجرة الخبيثة ، وبالرماد والزبد والتراب ونحوه . وإن كان على النعت والصفة وهو في الآخرة ، وهو ما ذكر : { الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم } الفرقان : 34 ) .

وقوله تعالى : { ولله المثل الأعلى } أي لأولياء الله المثل الأعلى ، وهم المؤمنون ؛ لما أن الله وصف المؤمنين بالحياة والنور والعدل ، وغير ذلك من الأسماء الحسنة ، وذلك لله في الحقيقة . لكنه بفضله ومنه وصفهم ، وسماهم بذلك ، فأضيف إلى الله ؛ لما بفضله استوجبوا ، لا باستحقاق أنفسهم .

وكذلك قوله : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } ( الأعراف : 180 ) أضيف ذلك إليه ، بفضله يستوجبون تلك الأسماء التي سماهم .

ويحتمل قوله : { ولله المثل الأعلى } ، أي : لأولياء الله المثل الأعلى ، كأنه قال : للذين يؤمنون بالآخرة ، والمثل الأعلى مقابل ما ذكر حين {[10223]} قال : { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم } .

قال الحسن : { العزيز } ، بالغلبة منه في الأشياء كلها على أمره{[10224]} ، وكل شيء دونه ذليل . { حكيم } بالعدل منه في كل قضاء ، وقد ذكرنا في غير موضع . وقوله : { العزيز الحكيم } ، في هذا الموضع كأنه قال : { هو العزيز } بنفسه لا بخلقه أولياءه ، كما يكون لملوك الأرض ؛ يكون عزهم وحشمهم ، فإذا ذهبوا ، أو عصوه ، يصير مقهورا مغلوبا . فأما الله سبحانه وتعالى {[10225]} عزيز بذاته . { والحكيم } ، أي : إنشاؤه العصاة منهم على علم منه بذلك ، لم يخرج ذلك على غير الحكمة ، والله أعلم .


[10222]:في الأصل وم: لهم ذلك الوصف.
[10223]:في الأصل وم: حيث.
[10224]:أدرج قبلها في الأصل وم: ما.
[10225]:في الأصل وم: هو.