قوله تعالى : { قول معروف } . أي كلام حسن ، ورد على السائل جميل ، وقيل عدة حسنة . وقال الكلبي : دعاء صالح يدعوه لأخيه بظهر الغيب ، وقال الضحاك : نزلت في إصلاح ذات البين .
قوله تعالى : { ومغفرة } . أي تستر عليه خلته ، ولا تهتك عليه ستره ، وقال الكلبي والضحاك : يتجاوز عن ظالمه ، وقيل يتجاوز عن الفقير إذا استطال عليه عند رده .
قوله تعالى : { خير من صدقة } . يدفعها إليه .
قوله تعالى : { يتبعها أذى } . أي من وتعيير للسائل أو قول يؤذيه .
قوله تعالى : { والله غني } . أي مستغن عن صدقة العباد .
قوله تعالى : { حليم } . لا يعجل بالعقوبة على من يمن ويؤذي بالصدقة .
{ قول معروف } أي : تعرفه القلوب ولا تنكره ، ويدخل في ذلك كل قول كريم فيه إدخال السرور على قلب المسلم ، ويدخل فيه رد السائل بالقول الجميل والدعاء له { ومغفرة } لمن أساء إليك بترك مؤاخذته والعفو عنه ، ويدخل فيه العفو عما يصدر من السائل مما لا ينبغي ، فالقول المعروف والمغفرة خير من الصدقة التي يتبعها أذى ، لأن القول المعروف إحسان قولي ، والمغفرة إحسان أيضا بترك المؤاخذة ، وكلاهما إحسان ما فيه مفسد ، فهما أفضل من الإحسان بالصدقة التي يتبعها أذى بمنّ أو غيره ، ومفهوم الآية أن الصدقة التي لا يتبعها أذى أفضل من القول المعروف والمغفرة ، وإنما كان المنّ بالصدقة مفسدا لها محرما ، لأن المنّة لله تعالى وحده ، والإحسان كله لله ، فالعبد لا يمنّ بنعمة الله وإحسانه وفضله وهو ليس منه ، وأيضا فإن المانّ مستعبِدٌ لمن يمنّ عليه ، والذل والاستعباد لا ينبغي إلا لله ، والله غني بذاته عن جميع مخلوقاته ، وكلها مفتقرة إليه بالذات في جميع الحالات والأوقات ، فصدقتكم وإنفاقكم وطاعاتكم يعود مصلحتها إليكم ونفعها إليكم ، { والله غني } عنها ، ومع هذا فهو { حليم } على من عصاه لا يعاجله بعقوبة مع قدرته عليه ، ولكن رحمته وإحسانه وحلمه يمنعه من معاجلته للعاصين ، بل يمهلهم ويصرّف لهم الآيات لعلهم يرجعون إليه وينيبون إليه ، فإذا علم تعالى أنه لا خير فيهم ولا تغني عنهم الآيات ولا تفيد بهم المثلات أنزل بهم عقابه وحرمهم جزيل ثوابه .
{ قَوْلٌ مّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيّ حَلِيمٌ }
يعنى تعالى ذكره بقوله : { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ } قول جميل ، ودعاء الرجل لأخيه المسلم . { وَمَغْفِرَةٌ } يعني : وستر منه عليه لما علم من خلته وسوء حالته ، خير عند الله من صدقة يتصدقها عليه يتبعها أذى ، يعني يشتكيه عليها ويؤذيه بسببها . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أذًى } يقول : أن يمسك ماله خير من أن ينفق ماله ثم يتبعه منّا وأذى .
وأما قوله : { غَنِيّ حَلِيمٌ } فإنه يعني : والله غنيّ عما يتصدقون به ، حليم حين لا يعجل بالعقوبة على من يمنّ بصدقته منكم ، ويؤذي فيها من يتصدّق بها عليه .
حدثنا به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الغنيّ : الذي كمل في غناه ، والحليم : الذي قد كمل في حلمه .
{ قول معروف } رد جميل . { ومغفرة } وتجاوز عن السائل والحاجة ، أو نيل المغفرة من الله بالرد الجميل ، أو عفو من السائل بأن يعذر ويغتفر رده . { خير من صدقة يتبعها أذى } خبر عنهما ، وإنما صح الابتداء بالنكرة لاختصاصها بالصفة . { والله غني } عن إنفاق بمن وإيذاء . { حليم } عن معاجلة من يمن ويؤذي بالعقوبة .
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ( 263 )
هذا إخبار جزم من الله تعالى أن القول المعروف وهو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله ، خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة ، وفي باطنها لا شيء . لأن ذلك القول المعروف فيه أجر ، وهذه لا أجر فيها( {[2581]} ) . وقال المهدوي وغيره التقدير في إعرابه { قول معروف } أولى { ومغفرة خير }( {[2582]} ) .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا ذهاب برونق المعنى ، وإنما يكون المقدر كالظاهر ، والمغفرة الستر للخلة وسوء حالة المحتاج . ومن هذا قول الأعرابي ، وقد سأل قوماً بكلام فصيح ، فقال له قائل : ممن الرجل ؟ فقال اللهم غفراً ، سوء الاكتساب يمنع من الانتساب ، وقال النقاش : يقال معناه ومغفرة للسائل إن أغلظ أو جفا إذا حرم( {[2583]} ) ، ثم أخبر تعالى بغناه عن صدقة من هذه حاله وعاقبة أمره ، وحمله عمن يمكن أن يواقع هذا من عبيده وإمهالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.