في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{۞قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ} (263)

261

وتوكيدا للمعنى الذي سلف من حكمة الإنفاق والبذل . توكيدا لأن الغرض هو تهذيب النفوس ، وترضية القلوب ، وربط الواهب والآخذ برباط الحب في الله . . يقول في الآية التالية :

( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى . والله غني حليم ) . .

فيقرر أن الصدقة التي يتبعها الأذى لا ضرورة لها ! وأولى منها كلمة طيبة وشعور سمح . كلمة طيبة تضمد جراح القلوب ، وتفعمها بالرضى والبشاشة . ومغفرة تغسل أحقاد النفوس وتحل محلها الإخاء والصداقة . فالقول المعروف والمغفرة في هذه الحالة يؤديان الوظيفة الأولى للصدقة : من تهذيب النفوس وتأليف القلوب .

ولأن الصدقة ليست تفضلا من المانح على الآخذ ، إنما هي قرض لله . . عقب على هذا بقوله :

( والله غني حليم ) . .

غني عن الصدقة المؤذية . حليم يعطي عباده الرزق فلا يشكرون ، فلا يعجلهم بالعقاب ولا يبادرهم بالإيذاء ؛ وهو معطيهم كل شيء ، ومعطيهم وجودهم ذاته قبل أن يعطيهم أي شيء - فليتعلم عباده من حلمه - سبحانه - فلا يعجلوا بالأذى والغضب على من يعطونهم جزءا مما أعطاه الله لهم . حين لا يروقهم منهم أمر ، أولا ينالهم منهم شكر !

وما يزال هذا القرآن يذكر الناس بصفة الله سبحانه ليتأدبوا منها بما يطيقون ؛ وما يزال أدب المسلم تطلعا لصفة ربه ، وارتقاء في مصاعدها ، حتى ينال منها ما هو مقسوم له ، مما تطيقه طبيعته .

/خ274