فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ} (263)

( قول معروف ) قيل الخبر محذوف أي أولى وأمثل ، ذكره النحاس ، قال : ويجوز أن يكون خبرا عن مبتدأ محذوف أي الذي أمرتم به قول معروف أي كلام حسن ورد جميل على الفقير السائل ، وقيل عدة حسنة توعده بها وقيل دعاء صالح تدعو له بظاهر الغيب .

( ومغفرة ) له في الحاجة مبتدأ أيضا وخبره ( خير من صدقة ) وجاز الابتداء بالنكرتين لأن الأولى تخصصت بالوصف والثانية بالعطف والمعنى أن القول المعروف من المسؤول للسائل ، وهو التأنيس والترجية بما عند الله والرد الجميل خير من الصدقة التي ( يتبعها أذى ) وقد ثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم " الكلمة الطيبة صدقةّ " {[273]} و أن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق .

و المراد بالمغفرة الستر للخلة وسوء حالة المحتاج والعفو عن السائل إذا صدر منه من الإلحاح ما يكدر صدر المسؤول ، وقيل إن المراد أن العفو من جهة السائل لأنه إذا رده ردا جميلا عذره ، وقيل المراد فعل يؤدي إلى المغفرة خير من صدقة أي غفران الله خير من صدقتكم .

وهذه الجملة مستأنفة مقررة لترك اتباع المن والأذى للصدقة{[274]} ، قال الضحاك : قول معروف رد جميل تقول يرحمك الله ويرزقك الله ولاتنهره ولا تغلظ له القول ، وعن عمرو بن دينار قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من صدقة أحب إلى الله من قول الحق " ألم تسمع قول الله ( قول معروف ) الآية أخرجه ابن أبي حاتم .

( والله غني ) عن صدقة العباد لا يحوج الفقراء إلى تحمل مؤنة المن والأذى ويرزقهم من جهة أخرى ( حليم ) بتأخير العقوبة عن المان والموذي لا يعاجلهم بها لا أنهم لا يستحقونها بسببهما ، والجملة تذييل لما قبله مشتملة على الوعد والوعيد مقررة لاعتبار الخيرية بالنسبة إلى السائل قطعا .


[273]:مسلم 2224.
[274]:زاد المسير151. وفي الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب". المسبل هو الذي يسبل ازاره او ثيابه او قميصه او سراويله حتى تكون الى القدمين، لانه صلى الله عليه وسلم قال. " ما اسفل من الكعبين من الازار فهو في النار" وفي الحديث ايضا:" ثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان" رواه النسائي وفيه ايضا: " لا يدخل الجنة خب ولا بخيل ولا منان" والخب هو المكر والخديعة، والمنان هو الذي يعطي شيئا او يتصدق به ثم يمن به. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: إياكم والمن بالمعروف فانه يبطل الشكر ويمحق الاجر، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: ( يا ايها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى)