الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ} (263)

قوله تعالى : { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } : فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه مبتدأٌ وساغَ الابتداءُ بالنكرةِ لوصفِها وللعطفِ عليها . و " مغفرةٌ " عَطْفٌ عليه ، وسَوَّغَ الابتداءَ بها العطفُ أو الصفةُ المقدَّرَةُ ، إذ التقديرُ : ومغفرةٌ من السائلِ أو من اللِّهِ . و " خيرٌ " خبرٌ عنهما . [ وقال أبو البقاء في هذا الوجهِ : " والتقديرُ : وسببُ مغفرة ] ، لأنَّ المغفرةَ من الله تعالى ، فلا تفاضُلَ بينها وبين فعلِ العبدِ ، ويجوزُ أن تكونَ المغفرةُ مجاوزَةَ المزكِّي واحتمالَه للفقيرِ ، فلا يكونُ فيه حذفُ مضافٍ " .

والثاني : أنَّ " قولٌ معروفٌ " مبتدأٌ وخبرُهُ محذوفٌ أي : أمثلُ أو أَوْلَى بكم ، و " مغفرةٌ " مبتدأٌ ، و " خيرٌ " خبرُها ، فهما جملتان ، ذَكَرَهُ المهدويّ وغيرُهُ . قال ابن عطية : " وهذا ذهابٌ برونقِ المعنى " . والثالث : أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ تقديرُهُ : المأمورُ به قولٌ معروفٌ .

قوله : { يَتْبَعُهَآ أَذًى } في محلِّ جرٍّ صفةً لصدقة ، ولم يُعِدْ ذِكْرِ المَنِّ فيقولُ : يتبَعُها مَنٌّ وأذى ، لأنَّ الأذى يشملُ المنَّ وغيرَه ، وإنَّما ذُكِرَ بالتنصيصِ في قولِهِ : { لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى } لكثرةِ وقوعِهِ من المتصدِّقين وعُسْرِ تحَفُّظِهِمْ منه ، ولذلك قُدِّمَ على الأذى .