فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ} (263)

قوله : { قَوْلٌ معْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ } قيل : الخبر محذوف أي : أولى ، وأمثل ، ذكره النحاس . قال : ويجوز أن يكون خبراً ، عن مبتدأ محذوف ، أي : الذي أمرتم به قول معروف . وقوله : { وَمَغْفِرَةٌ } مبتدأ أيضاً ، وخبره قوله : { خَيْرٌ من صَدَقَةٍ } وقيل : إن قوله : { خير } خبر عن قوله : { قول معروف } وعن قوله : { ومغفرة } وجاز الابتداء بالنكرتين ؛ لأن الأولى تخصصت بالوصف ، والثانية بالعطف ، والمعنى : أن القول المعروف من المسؤول للسائل ، وهو التأنيس ، والترجية بما عند الله ، والرد الجميل خير من الصدقة التي يتبعها أذى . وقد ثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم : «الكلمة الطيبة صدقة » ، و «إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق » وما أحسن ما قاله ابن دريد :

لا تدخلنَّك ضَجرةٌ من سائل *** فَلخيرُ دهِركَ أنْ ترى مَسْئولا

لاَ تَجْبَهنْ برّد وجه مؤملٍ *** فَبَقَاءُ عِزَّك أن تُرى مَأمُولاَ

والمراد بالمغفرة : الستر للخلة ، وسوء حالة المحتاج ، والعفو عن السائل إذا صدر منه من الإلحاح ما يكدر صدر المسئول ، وقيل : المراد : أن العفو من جهة السائل ؛ لأنه إذا رده رداً جميلاً عذره ، وقيل : المراد : فعل يؤدي إلى المغفرة خير من صدقة أي : غفران الله خير من صدقتكم . وهذه الجملة مستأنفة مقررة لترك اتباع المنِّ ، والأذى للصدقة .

/خ265