البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ} (263)

الغني : فعيل للمبالغة من غني وهو الذي لا حاجة له إلى أحد كما قال الشاعر :

كلانا غني عن أخيه حياته***

ويقال غني : أقام بالمكان ، والغانية : هي التي غنيت بحسنها عن التحسن .

{ قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى } أي : ردّ جميل من المسؤول ، وعفو من السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول من إلحاح أو سب أو تعريض بسبب ، كما يوجد في كثير من المستعطين ، وقيل : معنى و : مغفرة ، أي : نيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل .

وقيل : ومغفرة ، أي عفو من جهة السائل ، لأنه إذا رده ردّاً جميلاً عذره .

وقيل : قول معروف ، هو الدعاء والتأسي والترجئة بما عند الله ، وقيل : الدعاء لأخيه بظهر الغيب ، وقيل : الأمر بالمعروف خير ثواباً عند الله من صدقة يتبعها أذى .

وقيل : التسبيحات والدعاء والثناء والحمد لله والمغفرة ، أي : الستر على نفسه والكف عن إظهار ما ارتكب من المآثم خير ، أي : أخف على البدن من صدقة يتبعها أذى .

وقيل : المغفرة الاقتصار على القول الحسن ، وقيل : المغفرة أن يسأل الله الغفران لتقصير في عطاء وسدّ خلة ، وقيل : المغفرة هنا ستر خلة المحتاج ، وسوء حاله .

قاله ابن جرير ، وقيل ، لأعرابي سأل بكلام فصيح ، ممن الرجل ؟ فقال اللهم غفراً سوء الاكتساب يمنع من الانتساب ، وقيل : أن يستر على السائل سؤاله وبذل وجهه له ولا يفضحه ، وقيل : معناه السلامة من المعصية ، وقيل : القول المعروف أن تحث غيرك على إعطائه .

وهذا كله على أن يكون الخطاب مع المسؤول لأن الخطاب في الآية قبل هذا ، وفي الآية بعد هذا ، إنما هو مع المتصدّق ، وقيل : الخطاب للسائل ، وهو حث له على إجمال الطلب ، أي يقول قولاً حسناً من تعريض بالسؤال أو إظهار للغنى حيث لا ضرورة ، ويكسب خير من مثال صدقة يتبعها أذى ، واشترك القول المعروف والمغفرة مع الصدقة التي يتبعها أذى في مطلق الخيرية ، وهو : النفع ، وإن اختلفت جهة النفع ، فنفع القول المعروف والمغفرة باقٍ ، ونفع تلك الصدقة فانٍ ، ويحتمل أن يكون الخيرية هنا من باب قولهم : شيء خير من لا شيء .

وقال الشاعر :

ومنعك للندى بجميل قولٍ***

أحب إليّ من بذل ومنَّه

وقال آخر فأجاد :

إن لم تكن ورق يوماً أجود بها***

للمعتفين فإني لينُ العودِ

لا يعدم السائلون الخير من خلقي***

إما نوالي وإما حسن مردود

وارتفاع : قول ، على أنه مبتدأ ، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفها ، ومغفرة معطوف على المبتدأ ، فهو مبتدأ ومسوغ جواز الابتداء به وصف محذوف أي : ومغفرة من المسؤول ، أو : من السائل .

أو : من الله ، على اختلاف الأقوال .

و : خير ، خبر عنهما .

وقال المهدوي وغيره : هما جملتان ، وخبر : قول ، محذوف ، التقدير : قول معروف أولى ومغفرة خير .

قال ابن عطية : وفي هذا ذهاب ترويق المعنى ، وإنما يكون المقدّر كالظاهر . انتهى .

وما قاله حسن ، وجوز أن يكون : قول معروف ، خبر مبتدأ محذوف تقديره : المأمور به قول معروف ، ولم يحتج إلى ذكر المن في قوله : يتبعها ، لأن الأذى يشمل المن وغيره كما قلنا .

{ والله غني حليم } أي غني عن الصدقة ، حليم بتأخر العقوبة ، وقيل : غني لا حاجة به إلى منفق يمن ويؤذي ، حليم عن معاجلة العقوبة .

وهذا سخط منه ووعيد .