فأجابهم الله تعالى فقال : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً } أي : متاعاً وأموالاً . وقال مقاتل : لباساً وثياباً ، ( رؤيا ) ، قرأ أكثر القراء بالهمز ، أي : منظراً ، من الرؤية ، وقرأ ابن عامر ، و أبو جعفر ، ونافع غير ورش : ريا مشدداً بغير همز ، وله تفسيران : أحدهما هو الأول ، بطرح الهمز ، والثاني : من الري : الذي هو ضد العطش ، ومعناه : الارتواء من النعمة ، فإن المتنعم يظهر فيه ارتواء النعمة ، والفقير يظهر عليه ذبول الفقر .
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا } أي : متاعا ، من أوان وفرش ، وبيوت ، وزخارف ، وأحسن رئيا ، أي : أحسن مرأى ومنظرا ، من غضارة العيش ، وسرور اللذات ، وحسن الصور ، فإذا كان هؤلاء المهلكون أحسن منهم أثاثا ورئيا ، ولم يمنعهم ذلك من حلول العقاب بهم ، فكيف يكون هؤلاء ، وهم أقل منهم وأذل ، معتصمين من العذاب { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } ؟ وعلم من هذا ، أن الاستدلال على خير الآخرة بخير الدنيا من أفسد الأدلة ، وأنه من طرق الكفار .
القول في تأويل قوله تعالى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } .
يقول تعالى ذكره : وكم أهلكنا يا محمد قبل هؤلاء القائلين من أهل الكفر للمؤمنين ، إذا تُتلى عليهم آيات الرحمن ، أيّ الفريقين خير مقاما ، وأحسن نديا ، مجالس من قرن هم أكثر متاع منازل من هؤلاء ، وأحسن منهم منظرا وأجمل صورا ، فأهلكنا أموالهم ، وغيرنا صورهم ومن ذلك قول علقمة بن عبدة :
كُمَيْتٌ كَلَوْنِ الأُرْجُوَانِ نَشَرْتهُ *** لبَيْعِ الرّئيِ فِي الصّوَانِ المُكَعّبِ
يعني بالصوان : التخت الذي تصان فيه الثياب . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال : الرئي : المنظر ، والأثاث : المتاع .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ عن شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : الرئي المنظر .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا يقول : منظرا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا الأثاث : المال ، والرّئي : المنظر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله أثاثا وَرِئْيا قال : الأثاث : أحسن المتاع ، والرّئي : قال : المال .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، يقول الله تبارك وتعالى : وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ منْ قَرْنٍ هُمْ أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا : أي أكثر متاعا وأحسن منزلة ومستقرّا ، فأهلك الله أموالهم ، وأفسد صورهم عليهم تبارك وتعالى .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال : أحسن صورا ، وأكثر أموالاً .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أثاثا قال : المتاع وَرِئْيا قال : فيما يرى الناس .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا ابن حميد وبشر بن معاذ ، قالا : حدثنا جرير بن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : الأثاث : المال ، والرّئي : المنظر الحسن .
حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس وَرِئْيا : منظرا في اللون والحسن .
حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاح ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس وَرِئيا منظرا في اللون والحسن .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال : الرئي : المنظر ، والأثاث : المتاع ، أحسن متاعا ، وأحسن منظرا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول في قوله : أحْسَنُ أثاثا يعني المال وَرِئْيا يعني : المنظر الحسن .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة : «وَرِيّا » غير مهموز ، وذلك إذا قرىء كذلك يتوجه لوجهين : أحدهما : أن يكون قارئه أراد الهمزة ، فأبدل منها ياء ، فاجتمعت الياء المُبدلة من الهمز والياء التي هي لام الفعل ، فأدغمتا ، فجعلتا ياء واحدة مشددة ليُلْحِقُوا ذلك ، إذ كان رأس آية ، بنظائره من سائر رؤوس الاَيات قبله وبعده والاَخر أن يكون من رويت أروي روية وريّا ، وإذا أريد به ذلك كان معنى الكلام : وكم أهلكنا قبلهم من قرن ، هم أحسن متاعا ، وأحسن نظرا لماله ، ومعرفة لتدبيره وذلك أن العرب تقول : ما أحسن رؤية فلان في هذا الأمر إذا كان حسن النظر فيه والمعرفة به . وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق والكوفة والبصرة وَرِئْيا بهمزها ، بمعنى : رؤية العين ، كأنه أراد : أحسن متاعا ومَرآة . وحُكي عن بعضهم أنه قرأ : «أحسن أثاثا وزيا » ، بالزاي ، كأنه أراد أحسن متاعا وهيئة ومنظرا ، وذلك أن الزيّ هو الهيئة والمنظر من قولهم : زيّيت الجارية ، بمعنى : زينتها وهيأتها .
قال أبو جعفر : وأولى القراءات في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ أثاثا وَرِئْيا بالراء والهمز ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن معناه : المنظر ، وذلك هو من رؤية العين ، لا من الروية ، فلذلك كان المهموز أولى به ، فإن قرأ قارىء ذلك بترك الهمز ، وهو يريد هذا المعنى ، فغير مخطىء في قراءته . وأما قراءته بالزاي فقراءة خارجة ، عن قراءة القرّاء ، فلا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءتهم ، وإن كان لهم في التأويل وجه صحيح .
واختلف أهل العربية في الأثاث أجمع هو أم واحد ، فكان الأحمر فيما ذُكر لي عنه يقول : هو جمع ، واحدتها أثاثه ، كما الحمام جمع واحدتها حمامة ، والسحاب جمع واحدتها سحابة . وأما الفراء فإنه كان يقول : لا واحد له ، كما أن المتاع لا واحد له . قال : والعرب تجمع المتاع : أمتعة ، وأماتيع ، ومتع . قال : ولو جمعت الأثاث لقلت : ثلاثة آثّةٍ وأثث . وأما الرئي فإن جمعه : آراء .
فرد عليهم ذلك أيضا مع التهديد نقضا بقوله : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا } و { كم } مفعول { أهلكنا } و من { قرن } بيانه ، وإنما سمي أهل كل عصر قرنا أي مقدما من قرن الدابة . وهو مقدمها لأنه يتقدم من بعده ، وهم أحسن صفة لكم وأثاثا تمييز عن النسبة وهو متاع البيت . وقيل هو ماجد منه والخرثي ما رث والرئي المنظر فعل من الرؤية لما يرى كالطحن والخبز ، وقرأ نافع وابن عامر " ريا " على قلب الهمزة وإدغامها أو على أنه من الري الذي هو النعمة ، وقرأ أبو بكر " رييا " على القلب ، وقرىء " ريا " بحذف الهمزة و " زيا " من الزي وهو الجمع فإنه محاسن مجموعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.