إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورئيا } أي كثيراً من القرون التي كانت أفضلَ منهم فيما يفتخرون به من الحظوظ الدنيوية كعادٍ وثمودَ وأضرابِهم من الأمم العاتيةِ قبل هؤلاء أهلكناهم بفنون العذاب ، ولو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا لما فعلنا بهم ما فعلنا ، وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى ، كأنه قيل : فلينتظِرْ هؤلاءِ أيضاً مثلَ ذلك ( فكم ) مفعولُ أهلكنا و ( من قرن ) بيانٌ لإبهامها ، وأهلُ كل عصرٍ قَرنٌ لمن بعدهم لأنهم يتقدّمونهم ، مأخوذٌ من قَرْن الدابة وهو مقدّمها وقوله تعالى : { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً } في حيز النصبِ على أنه صفةٌ لِكم وأثاثاً تمييزُ النسبة وهو متاعُ البيت ، وقيل : هو ما جدّ منه ، والخُرْثيُّ ما لُبس منه ورثّ والرِئْيُ المنظرُ ، فِعْلٌ من الرؤية لما يُرَى ، كالطِّحْن لما يُطحَن ، وقرئ رِيًّا على قلب الهمزة ياءً وإدغامِها أو على أنه من الرِّيّ وهو النعمةُ والتُّرفةُ ، وقرئ ريئاً على القلب ورِيَا بحذف الهمزة وزَيا بالزاي المعجمة من الزَّيّ وهو الجمعُ فإنه عبارةٌ عن المحاسن المجموعة .