التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

وقد رد الله - تعالى - على هؤلاء الجاهلين المغرورين بقوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } .

و { وَكَمْ } هنا خبرية ، ومعناها الاخبار عن العدد الكثير وهى فى محل نصب على المفعول به لجملة { أَهْلَكْنَا } و { مِّن قَرْنٍ } تمييز لها . والقرن : اسم لأهل كل أمة تتقدم فى الوجود على غيرها ، مأخوذ من قرن الدابة لتقدمه فيها .

و { أَثَاثاً } المتاع للبيت . وقيل : هو الجديد من الفراش ، وقد يطلق على المال بصفة عامة .

و { وَرِءْياً } أى : منظرا وهيئة ومرأى فى العين مأخوذ من الرؤية التى تراها العين .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين المتباهين بمساكنهم ومجالسهم : لا تفتخروا ولا يغرنكم ما أنتم فيه من نعيم ، فإنما هو نوع من الاستدراج ، فإن الله - تعالى - قد أهلك كثيرا من الأمم السابقة عليكم ، كانوا أحسن منكم متاعا وزينة ، وكانوا أجمل منكم منظرا وهيئة فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم ومظهرهم الحسن ، عندما أراد الله - تعالى - إهلاكهم بسبب كفرهم وجحودهم .

فالآية الكريمة تهديد للكافرين المعاصرين للنبى - صلى الله عليه وسلم - ورد على أقوالهم الباطلة ، وعنجهيتهم الذميمة إذا لو كانت المظاهر والأمتعة والهيئات الحسنة تنفع أصحابها ، لنفعت أولئك المهلكين من الأمم السابقة .

وشبيه بهذه الآية فى الرد على هؤلاء الكافرين قوله - تعالى - : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ } وقوله - سبحانه - : { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }