معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ} (16)

قوله تعالى : { ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك } هذا اللفظ ها هنا معناه التعجب ، { هذا بهتان عظيم } أي : كذب عظيم يبهت ويتحير من عظمته . وفي بعض الأخبار أن أم أيوب قالت لأبي أيوب الأنصاري : أما بلغك ما يقول الناس في عائشة ؟ فقال أبو أيوب : سبحانك هذا بهتان عظيم ، فنزلت الآية على وفق قوله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ} (16)

{ ولَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أي : وهلا إذ سمعتم -أيها المؤمنون- كلام أهل الإفك { قُلْتُمْ } منكرين لذلك ، معظمين لأمره : { مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا } أي : ما ينبغي لنا ، وما يليق بنا الكلام ، بهذا الإفك المبين ، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح { هَذَا بُهْتَانٌ } أي : كذب عظيم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ} (16)

ثم يوجههم - سبحانه - مرة أخرى إلى ما كان يجب عليهم أن يفعلوه فى مثل هذه الأحوال فيقول : { ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } .

وأصل معنى " سبحانك " تنزيه الله - تعالى - عن كل نقص . ثم شاع استعماله فى كل أمر بتعجب منه . وهذا المعنى هو المراد هنا .

والبهتان : هو الكذب الذى يبهت ويحير سامعه لشناعته وفظاعته ، يقال : بهت فلان فلانا إذا قال عليه مالم يقله وما لم يفعله .

أى : وهلا وقت أن سمعتم - أيها المؤمنون - حديث الإفك ممن افتراه واخترعه ، قلتم له على سبيل الزجر والردع والإفحام : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا . أى : ما يصح منا إطلاقا أن نتكلم بهذا الحديث البالغ أقصى الدركات فى الكذب والافتراء .

وقلتم له أيضا - على سبيل التعجب من شناعة هذا الخبر : " سبحانك " ، أى : نتعجب يا ربنا من شناعة ما سمعناه ، فإن ما سمعناه عن أم المؤمنين عائشة كذب يبهت ويدهش من يسمعه ، وهو فى الشناعة لا تحيط بوصفه عبارة .

وهكذا يؤدب الله - تعالى - عباده المؤمنين بالأدب السامى ، حيث يأمرهم فى مثل هذه الأحوال ، أن ينزهوا أسماعهم عن مجرد الاستماع إلى ما يسىء إلى المؤمنين ، وأن يتحرجوا من مجرد النطق بمثل حديث الإفك ، وأن يستنكروا ذلك على من يتلفظ به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ} (16)

عطف على جملة : { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون } [ النور : 12 ] إلخ . وأعيدت ( لولا ) وشرطها وجوابها لزيادة الاهتمام بالجملة فلذلك لم يعطف { قلتم } الذي في هذه الجملة على { قلتم } الذي في الجملة قبلها لقصد أن يكون صريحاً في عطف الجمل .

وتقديم الظرف وهو { إذ سمعتموه } على عامله وهو { قلتم ما يكون لنا } كتقديم نظيره في قوله : { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون } [ النور : 12 ] إلخ وهو الاهتمام بمدلول الظرف .

وضمير { سمعتموه } عائد إلى الإفك مثل الضمائر المماثلة له في الآيات السابقة .

واسم الإشارة عائد إلى الإفك بما يشتمل عليه من الاختلاق الذي يتحدث به المنافقون والضعفاء ، فالإشارة إلى ما هو حاضر في كل مجلس من مجالس سماع الإفك .

ومعنى { قلتم ما يكون لنا } أن يقولوا للذين أخبروهم بهذا الخبر الآفك . أي قلتم لهم زجراً وموعظة .

وضمير { لنا } مراد به القائلون والمخاطبون . فأما المخاطبون فلأنهم تكلموا به حين حدثوهم بخبر الإفك . والمعنى : ما يكون لكم أن تتكلموا بهذا ، وأما المتكلمون فلتنزههم من أن يجري ذلك البهتان على ألسنتهم .

وإنما قال : { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا } دون أن يقول : ليس لنا أن نتكلم بهذا ، للتنبيه على أن الكلام في هذا وكينونة الخوض فيه حقيق بالانتفاء . وذلك أن قولك : ما يكون لي أن أفعل ، أشد في نفي الفعل عنك من قولك : ليس لي أن أفعل . ومنه قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام { قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } [ المائدة : 116 ] .

وهذا مسوق للتوبيخ على تناقلهم الخبر الكاذب وكان الشأن أن يقول القائل في نفسه : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ، ويقول ذلك لمن يجالسه ويسمعه منه . فهذا زيادة على التوبيخ على السكوت عليه في قوله تعالى : { وقالوا هذا إفك مبين } [ النور : 12 ] .

و { سبحانك } جملة إنشاء وقعت معترضة بين جملة : { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا } وجملة : { هذا بهتان عظيم } . و { سبحانك } مصدر وقع بدلاً من فعله ، أي نسبح سبحاناً لك . وإضافته إلى ضمير الخطاب من إضافة المصدر إلى مفعوله ، وهو هنا مستعار للتعجب كما تقدم عند قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } [ الإسراء : 1 ] وقوله : { وسبحان الله وما أنا من المشركين } في سورة يوسف ( 108 ) . والأحسن أن يكون هنا لإعلان المتكلم البراءة من شيء بتمثيل حال نفسه بحال من يشهد الله على ما يقول فيبتدىء بخطاب الله بتعظيمه ثم بقول : { هذا بهتان عظيم } تبرّئاً من لازم ذلك وهو مبالغة في إنكار الشيء والتعجب من وقوعه .

وتوجيه الخطاب إلى الله في قوله : { سبحانك } للإشعار بأن الله غاضب على من يخوض في ذلك فعليهم أن يتوجهوا لله بالتوبة منه لمن خاضوا فيه وبالاحتراز من المشاركة فيه لمن لم يخوضوا فيه .

وجملة : { هذا بهتان عظيم } تعليل لجملة : { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا } فهي داخلة في توبيخ المقول لهم .

ووصف البهتان بأنه { عظيم } معناه أنه عظيم في وقوعه ، أي بالغ في كنه البهتان مبلغاً قوياً .

وإنما كان عظيماً لأنه مشتمل على منكرات كثيرة وهي : الكذب ، وكون الكذب يطعن في سلامة العرض ، وكونه يسبب إحناً عظيمة بين المفترين والمفترى عليهم بدون عذر ، وكون المفترى عليهم من خيرة الناس وانتمائهم إلى أخير الناس من أزواج وآباء وقرابات ، وأعظم من ذلك أنه اجتراء على مقام النبي صلى الله عليه وسلم ومقام أم المؤمنين رضي الله عنها .

والبهتان مصدر مثل الكفران والغفران . والبهتان : الخبر الكذب الذي يُبهت السامع لأنه لا شبهة فيه . وقد مضى عند قوله تعالى : { وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً } في سورة النساء ( 156 ) .