التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ} (16)

ثم يوجههم - سبحانه - مرة أخرى إلى ما كان يجب عليهم أن يفعلوه فى مثل هذه الأحوال فيقول : { ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } .

وأصل معنى " سبحانك " تنزيه الله - تعالى - عن كل نقص . ثم شاع استعماله فى كل أمر بتعجب منه . وهذا المعنى هو المراد هنا .

والبهتان : هو الكذب الذى يبهت ويحير سامعه لشناعته وفظاعته ، يقال : بهت فلان فلانا إذا قال عليه مالم يقله وما لم يفعله .

أى : وهلا وقت أن سمعتم - أيها المؤمنون - حديث الإفك ممن افتراه واخترعه ، قلتم له على سبيل الزجر والردع والإفحام : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا . أى : ما يصح منا إطلاقا أن نتكلم بهذا الحديث البالغ أقصى الدركات فى الكذب والافتراء .

وقلتم له أيضا - على سبيل التعجب من شناعة هذا الخبر : " سبحانك " ، أى : نتعجب يا ربنا من شناعة ما سمعناه ، فإن ما سمعناه عن أم المؤمنين عائشة كذب يبهت ويدهش من يسمعه ، وهو فى الشناعة لا تحيط بوصفه عبارة .

وهكذا يؤدب الله - تعالى - عباده المؤمنين بالأدب السامى ، حيث يأمرهم فى مثل هذه الأحوال ، أن ينزهوا أسماعهم عن مجرد الاستماع إلى ما يسىء إلى المؤمنين ، وأن يتحرجوا من مجرد النطق بمثل حديث الإفك ، وأن يستنكروا ذلك على من يتلفظ به .