قوله تعالى : { واستبقا الباب } ، وذلك أن يوسف لما رأى البرهان قام مبادرا إلى باب البيت هاربا ، وتبعته المرأة لتمسك الباب حتى لا يخرج يوسف ، وأدركته المرأة ، قتعلقت بقميصه من خلفه ، فجذبته إليها حتى لا يخرج . { وقدت قميصه } أي : فشقته { من دبر } ، أي : من خلف ، فلما خرجا لقيا العزيز ، وهو قوله : { وألفيا سيدها لدى الباب } ، أي : وجدا زوج المرأة قطفير عند الباب جالسا مع ابن عم لراعيل ، فلما رأته هابته و{ قالت } سابقة القول لزوجها { ما جزاء من أراد بأهلك سوءا } ، يعني : الزنا ، ثم خافت عليه أن يقتله فقالت : { إلا أن يسجن } ، أي : يسجن ، { أو عذاب أليم } ، أي : ضرب بالسياط ، فلما سمع يوسف مقالتها .
ولما امتنع من إجابة طلبها بعد المراودة الشديدة ، ذهب ليهرب عنها ويبادر إلى الخروج من الباب ليتخلص ، ويهرب من الفتنة ، فبادرت إليه ، وتعلقت بثوبه ، فشقت قميصه ، فلما وصلا إلى الباب في تلك الحال ، ألفيا سيدها ، أي : زوجها لدى الباب ، فرأى أمرا شق عليه ، فبادرت إلى الكذب ، أن المراودة قد كانت من يوسف ، وقالت : { مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا } ولم تقل " من فعل بأهلك سوءا " تبرئة لها وتبرئة له أيضا من الفعل .
وإنما النزاع عند الإرادة والمراودة { إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : أو يعذب عذابا أليما .
وقوله - سبحانه - { واستبقا الباب . . . } متصل بقوله - سبحانه - قبل ذلك { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ . . . } وقوله { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء والفحشآء . . . } اعتراض جئ به بين المتعاطفين تقريرا لنزاهته .
وقوله { واستبقا . . } من الاستباق وهو افتعال من السبق بمعنى أن كل واحد منهما يحالو أن يكون هو السابق إلى الباب .
ووجه تسابقهما : أن يوسف - عليه السلام - أسرع بالفرار من أمامها إلى الباب هروبا من الفاحشة التي طلبتها منه . وهى أسرعت خلفه لتمنعه من الوصول إلى الباب ومن الخروج منه .
وأفرد - سبحانه - الباب هنا ، وجمعه فيما تقدم ، لأن المراد به هنا الباب الخارجى ، الذي يخلص منه يوسف إلى خارج الدار ، وهو منصوب هنا على نزع الخافض أى : واستبقا إلى الباب .
وجملة { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } حالية ، والقد : القطع والشق ، وأكثر استعماله في الشق والقطع الذي يكون طولا ، وهو المراد هن ، لأن الغالب أنها جذبته من الخلف وهو يجرى أمامها فانخرق القميص إلى أسفله .
وقوله : { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الباب } أى : وصادفا ووجدا زوجها عند الباب الذي تسابقا للوصول إليه .
قالوا : والتعبير عن الزوج بالسيد ، كان عادة من عادات القوم في ذلك الوقت ، فعبر عنه القرآن بذلك حكاية لدقائق ما كان متبعا في التاريخ القديم .
وقال - سبحانه - { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا } لأن ملك العزيز ليوسف - عليه السلام - لم يكن ملكا صحيحا ، فيوسف ليس رقيقا يباع ويشترى ، وإنما هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، وبيع السيارة له ، إنما كان على سبيل التخلص منه بعد أن التقطوه من الجب .
وقوله - سبحانه - { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } حكاية لما قالته لزوجها عندما فوجئت به عند الباب وهى تسرع وراء يوسف .
أى قالت تلك المرأة لزوجها عندما فوجئت به لدى الباب : ليس من جزاء لمن أراد بأهلك - تعنى نفسها - سوءا ، أى ما يسوءك ويؤلمك ، إلا أن يسجن ، عقوبة له ، أو أن يعذب عذابا أليما عن طريق الضرب أو الجلد ، لتجاوزه الحدود ، واعتدائه على أهلك .
وهذه الجملة الكريمة التي حكاها القرآن الكريم عنها ، تدل على أن تلك المرأة كانت في نهاية المكر والدهاء والتحكم في إرادة زوجها . . .
ورحم الله الآلوسى فقد علق على قولها ها الذي حكاه القرآن عنها بقوله ما ملخصه : " ولقد آتت - تلك المرأة - في هذه الحالة التي يدهش فيها الفطن اللوذعى - حيث شاهدها زوجها على تلك الحالة المريبة - بحيلة جمعت فيها غرضيها ، وهما تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر حالها ، واستنزال يوسف عن رأيه في استعصائه عليها ، وعدم طاعته لها ، بإلقاء الرعب في قلبه . . .
ولم تصرح بالاسم ، بل أتت بلفظ عام { مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا . . . } تهويلا للأمر ، ومبالغة في التخويف ، كأن ذلك قانون مطرد في حق كل من أراد بأهله سوءاً .
وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز ، إعظاما للخطب . . .
ثم إن حبها الشديد ليوسف - عليه السلام - حملها على أن تبدأ بذكرالسجن ، وتؤخر ذكر العذاب لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب ، لا سيما أن قولها : " إلا أن يسجن .
. . قد يكون المراد منه السجن لمدة يوم أو يومين . . . " .
والحق أن هذه الجملة التي حكاها القرآن عنها ، تدل على اكتمال قدرتها على المكر والدهاء - كما سبق أن أشرنا - ومن مظاهر ذلك ، محاولتها إيهام زوجها بأن يوسف قد اعتدى عليها بما يسؤوها ويسوؤه ، ولكن بدون تصريح بهذا العدوان - شأن العاشق مع معشوقه - حتى لا يسعى زوجها في التخلص منه ببيعه - مثلا - .
وفى الوقت نفسه إفهام يوسف عن طريق مباشر ، بأن أمره بيدها لا بيد زوجها ، وأنها هي الآمرة الناهية ، فعليه أن يخضع لما تريده منه ، وإلا فالسجن أو العذاب الأليم هو مصيره المحتوم .
وقوله تعالى : { واستبقا الباب } الآية ، { واستبقا } معناه سابق كل واحد منهما صاحبه إلى الباب ، هي لترده إلى نفسها وهو ليهرب عنها ؛ فقبضت في أعلى قميصه من خلفه ، فتخرق القميص عند طوقه ، ونزل التخريق إلى أسفل القميص . و «القد » : القطع ، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولاً ، «والقط » يستعمل فيما كان عرضاً ، وكذلك هي اللفظة في قول النابغة :
تقد السلوقي{[6643]}*** فإن قوله :«وتوقد بالصفاح » يقتضي أن القطع بالطول . و { ألفيا } : وجدا ، و «السيد » الزوج ، قاله زيد بن ثابت ومجاهد . فيروى أنهما وجدا العزيز ورجلاً من قرابة زليخا عند الباب الذي استبقا إليه قاله السدي . فلما رأت الفضيحة فزعت إلى مطالبة يوسف والبغي عليه ، فأرت العزيز أن يوسف أرادها ، وقالت : { ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم } وتكلمت في الجزاء ، أي أن الذنب ثابت متقرر . وهذه الآية تقتضي بعظم موقع السجن من النفوس لا سيما بذوي الأقدار ، إذ قرن بأليم العذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.