وقوله - سبحانه - : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } يرى جمهور المفسرين أنه كلام معترض بين أجزاء قصة لوط - عليه السلام - مع قومه ، لبيان أن الموعظة لا تجدى مع القوم الغاوين ، ولتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من سفهاء قومه .
فالخطاب فيه للنبى صلى الله عليه وسلم واللام في { لعمرك } لام القسم ، والمقسم به حياته صلى الله عليه وسلم والعمر - بفتح العين - لغة في العمر - بضمها ، ومعناهما : مدة حياة الإِنسان وبقائه في هذه الدنيا ، إلا أنهم ألزموا مفتوح العين في القسم ، وهو مبتدأ وخبره محذوف وجوبا والتقدير لعمرك قسمى أو يمبنى .
والسكرة : ذهاب العقل ، مأخوذة من السكر - بفتح السين وإسكان الكاف - وهو السد والإِغلاق . وأطلقت هنا على الغواية والضلالة لإِزالتهما الرشد والهداية عن عقل الإِنسان و { يعمهون } من العمه بمعنى التحير والتردد فى الأمر . وهو للبصيرة بمنزلة العمى للبصر .
يقال : عمه فلان - كفرح - عمها ، إذا تردد وتحير ، فهو عمه وعامه ، وهم عمهون وعمه - كركع -
والمعنى : بحق حياتك - أيها الرسول الكريم - إن هؤلاء المكذبين لك ، لفى غفلتهم وغوايتهم يترددون ويتحيرون ، شأنهم فى ذلك شأن الضالين من قبلهم كقوم لوط وقوم شعيب وقوم صالح ، وغيرهم من المتكبرين فى الأرض بغير الحق . .
قال الآلوسى : " وقوله { لعمرك } قسم من الله - تعالى - بعمر نبينا صلى الله عليه وسلم على ما عليه جمهور المفسرين . وأخرج البيهقى فى الدلائل ، وأبو نعيم وابن مردويه وغيرهم عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : ما خلق الله - تعالى - وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله - تعالى - أقسم بحياة أحد غيره ، قال - تعالى - : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } وقيل هو قسم من الملائكة بعمر لوط - عليه السلام - ، وهو مع مخالفته للمأثور محتاج لتقدير القول ، أى . قالت الملائكة للوط - عليه السلام - لعمرك . . وهو خلاف الأصل وإن كان سياق القصة شاهداً له وقرينة عليه . . " .
قال القاضي أبو محمد : والقسم ب { لعمرك } في القرآن ، وب «لعمري » ونحوه في أشعار العرب وفصيح كلامها في غير موضع .
لعمري وما عمري عليَّ بهين{[7203]} . . . وقوله الآخر : [ الوافر ]
لعمر أبيك ما نسب المعالي . . . وكقول الآخر : [ طرفة بن العبد ] [ الطويل ]
لعمرك إن الموت ما أخطأَ الفتى . . . لكالطِّوَلِ المرخى وثنياه باليد{[7204]}
والعرب تقول لعمر الله ، ومنه قول الشاعر :
إذا رضيت عليَّ بنو قشير . . . لعمر الله أعجبني رضاها{[7205]}
ولعمر من جعل الشهور علامة . . . فيها فبين نصفها وكمالها{[7206]}
ويروى وهلالها ، وقال بعض أصحاب المعاني ، لا يجوز هذا لأنه لا يقال لله تعالى عمر ، وإنما يقال بقاء أزلي ذكره الزهراوي ، وكره إبراهيم النخعي أن يقول الرجل لعمري لأنه حلف بحياة نفسه ، وذلك من كلام ضعفة الرجال ، ونحو هذا ، قول مالك في «لعمري » و «لعمرك » أنها ليست بيمين ، وقال ابن حبيب ينبغي أن تصرف { لعمرك } في الكلام اقتداء بهذه الآية ، و { يعمهون } يرتبكون ويتحيرون ، والضمائر في { سكرتهم } يراد بها قوم لوط المذكورون ، وذكر الطبري أن المراد قريش ، وهذا بعيد لأنه ينقطع مما قبله ومما بعده ، وقوله { لفي سكرتهم } مجاز وتشبيه ، أي في ضلالتهم وغفلتهم وإعراضهم عن الحق ولهوهم ، و { يعمهون } معناه يتردون في حيرتهم ، و { مشرقين } معناه قد دخلوا في الإشراق وهو سطوع ضوء الشمس وظهوره قاله ابن زيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.