{ لَعَمْرُكَ } قسم من الله تعالى بعمر نبينا صلى الله عليه وسلم ما عليه جمهور المفسرين .
وأخرج البيهقي في الدلائل . وأبو نعيم . وابن مردويه . وغيرهم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : ما خلق الله تعالى وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله سبحانه أقسم بحياة أحد غيره قال تعالى : { لَعَمْرُكَ } الخ ، وقيل : هو قسم من الملائكة عليهم السلام بعمر لوط عليه السلام ، وهو مع مخالفته للمأثور محتاج لتقدير القول أي قالت الملائكة للوط عليهم السلام : { لَعَمْرُكَ } الخ ، وهو خلاف الأصل وإن كان سياق القصة شاهداً له وقرينة عليه ، فلا يرد ما قاله «صاحب الفرائد » من أنه تقدي من غير ضرورة ولو ارتكب مثله لأمكن إخراج كل نص عن معناه بتقدير شيء فيرتفع الوثوق بمعاني النص ، وأياً ما كان فعمرك مبتدأ محذوف الخبر وجوباً أي قسمي أو يميني أو نحو ذلك ، والعمر بالفتح والضم البقاء والحياة إلا أنهم التزموا الفتح في القسم لكثرة دوره فناسب التخفيف وإذا دخلته اللام التزم فيه الفتح وحذف الخبر في القسم ، وبدون اللام يجوز فيه النصب والرفع وهو صريح ، وهو مصدر مضاف للفاعل أو المفعول ، وسمع فيه دخول الباء وذكر الخبر قليلاً ، وذكر أنه إذا تجرد من اللام لا يتعين للقسم ، ونقل ذلك عن الجوهري ، وقال ابن يعيش : لا يستعمل إلا فيه أيضاً وجاء شاذار عملي وعدوه من القلب ، وقال أبو الهيثم : معنى { لَعَمْرُكَ } لدينك الذي تعمل ويفسر بالعبادة ، وأنشد :
أيها المنكح الثريا سهيلا . . . عمرك الله كيف يلتقيان
أراد عبادتك الله تعالى فإنه يقال على ما نقل عن ابن الأعرابي عمرت ربي أي عبدته ، وفلان عامر لربه أي عابد ، وتركت فلاناً يعمر ربه أي يعبده وعهو غريب . وفي البيت توجيهات فقال سيبويه فيه : الأصل عمرتك الله تعالى تعميراً فحذف الزوائد من المصدر وأقيم مقام الفعل مضافاً إلى مفعوله الأول ، ومعنى عمرتك أعطيتك عمراً بأن سألت الله تعالى أن يعمرك فلما ضمن عمر معنى السؤال تعدى إلى المفعول الثاني أعني الاسم الجليل فهو على هذا منصوب ، وأجاز الأخفش رفعه ليكون فاعلاً أي عمرك الله سبحانه تعميراً ، وجوز الرضى أن يكون عمرك فيه منصوباً على المفعول به لفعل محذوف أي أسأل الله تعالى عمرك وأسأل متعد إلى مفعولين ، أو يكون المعنى أسألك بحق تعميرك الله تعالى أي اعتقادك بقاءه وأبديته تعالى فيكون انتصابه بحذف حرف القسم نحو الله لا فعلن ، وهو مصدر محذوف الزوائد مضاف إلى الفاعل والاسم الجليل مفعول به له ، ولا بأس بإضافة عمر إليه تعالى ، وقد جاء مضافاً كذلك قال الشاعر :
إذا رضيت على بنو قشير . . . لعمر الله أعجبني رضاها
ولعمر من جعل الشهور علامة . . . منها تبين نقصها وكمالها
وزعم بعضهم أنه لا يجوز أن يقال : لعمر الله تعالى لأنه سبحانه أزلى أبدى ، وكأنه توهم أن العمر لا يقال إلا فيما له انقطاع وليس كذلك ، وجاء في كلامهم إضافته لضمير المتكلم ، قال النابغة :
لعمري وما عمري على بهين . . . وكره النخعي ذلك لأنه حلف بحياة المقسم ، ولا أعرف وجه التخصيص فإن في { لَعَمْرُكَ } خطاباً بالشخص حلفاً بحيلة المخاطب وحكم الحلف بغير الله تعالى مقرر على أتم وجه في محله .
وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما و { عُمُرِكَ } بدون لام { إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ } أي لفى غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم { يَعْمَهُونَ } يتحيرون فكيف يسمعون النصح ، وأصل العمة عمى البصيرة وهو مورث للحيرة وبهذا الاعتبار فسر بذلك ، والضمائر لأهل المديسنة ، والتعبير بالمضارع بناء على المأثور في الخطاب لحكاية الحال الماضية ، وقيل : ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الضمائر لقريش ، واستبعده ابن عطية وغيره لعدم مناسبة السباق والسياق ، ومن هنا قيل : الجملة اعتراض وجملة { يَعْمَهُونَ } حال من الضمير في الجار والمجرور ، وجوز أن تكون حالا من الضمير المجرور في { سَكْرَتِهِمْ } والعامل السكرة أو معنى الإضافة ، ولا يخفاك حاله ، وقرأ الأشهب { سَكْرَتِهِمْ } بضم السين ، وابن أبي عبلة { *سكراتهم } بالجمع ، والأعمش { *سكرهم } بغير تاء ، وأبو عمر وفي رواية الجهضمي { يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ } بفتح الهمزة ، وقال أبو البقاء : وذلك على تقدير زيادة اللام ، ومثله قراءة سعيد بن جبير { إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام } [ الفرقان : 20 ] بالفتح بناء على أن لام الابتداء إنما تصحب إن المكسورة الهمزة وكأن التقدير على هذه القراءة لعمرك قسمي على أنهم فافهم .
( ومن باب الإشارة ) :{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الحجر : 72 ] قال النووي : أي بحياتك التي خصصت بها من بين العالمين ، وقال القرشي : هذا قسم بحياة الحبيب صلى الله عليه وسلم . وإنما أقسم سبحانه بها لأنها كانت به تعالى
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.