فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (72)

{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } العمر والعمر بالفتح والضم واحد ، لكنهم خصوا القسم بالمفتوح ، لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألسنتهم . ذكر ذلك الزجاج . قال القاضي عياض : اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله ، جلّ جلاله ، بمدة حياة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي ، فقال : قال المفسرون بأجمعهم : أقسم الله تعالى ها هنا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفاً له . قال أبو الجوزاء : ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أكرم البرية عنده . قال ابن العربي : ما الذي يمتنع أن يقسم الله سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء ، وكل ما يعطيه الله تعالى للوط من فضل يؤتي ضعفه من شرف لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه أكرم على الله منه ، أو لا تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم ، وأعطى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد أرفع . قال القرطبي : ما قاله حسن ، فإنه يكون قسمه سبحانه بحياة محمد صلى الله عليه وسلم كلاماً معترضاً في قصة لوط . فإن قيل : قد أقسم الله سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين ، ونحو ذلك فما فيهما من فضل ؟ وأجيب بأنه ما من شيء أقسم الله به إلاّ وفي ذلك دلالة على فضله على جنسه ، وذكر صاحب الكشاف وأتباعه : أن هذا القسم هو من الملائكة على إرادة القول أي : قالت الملائكة للوط : لعمرك ، ثم قال : وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له . انتهى . وقد كره كثير من العلماء القسم بغير الله سبحانه ، وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة في النهي عن القسم بغير الله ، فليس لعباده أن يقسموا بغيره . وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُونَ } [ الأنبياء : 23 ] . وقيل : الإقسام منه سبحانه بالتين والزيتون ، وطور سينين ، والنجم ، والضحى ، والشمس ، والليل ، ونحو ذلك هو على حذف مضاف هو المقسم به ، أي : وخالق التين ، وكذلك ما بعده . وفي قوله : { لَعَمْرُكَ } أي : وخالق عمرك . ومعنى { أنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } : لفي غوايتهم يتحيرون ، جعل الغواية ، لكونها تذهب بعقل صاحبها كما تذهب به الخمر سكرة ، والضمير لقريش . على أن القسم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو [ لقوم ] لوط على أن القسم للرسول عليه السلام .

/خ77