قوله تعالى : { لَعَمْرُكَ } : مبتدأٌ ، محذوفٌُ الخبر وجوباً ، ومثلُه : لايْمُنُ الله . و " إنهم " وما في حَيِّزه جوابُ القسمِ تقديرُه : لَعَمْرك قسمي أو يميني إنهم . والعَمْر والعُمْر بالفتح والضم هو البقاء ، إلا أنهم التزموا الفتح في القسم . قال/ الزجاج : " لأنَّه أَخَفُّ عليهم ، وهم يُكْثرون القَسَم ب " لَعَمْري " و " لَعَمْرك " . وله أحكامٌ كثيرة منها : أنه متى اقترن بلامِ الابتداء لَزِم فيه الرفعُ بالابتداءِ ، وحُذِفَ خبرُه ، لِسَدِّ جوابِ القسم مَسَدَّه . ومنها : أنه يصير صريحاً في القسم ، أي : يَتَعَيَّن فيه ، بخلافِ غيرِه نحو : عهدُ الله وميثاقُه . ومنها : أنه يَلْزَمُ فَتْحُ عينِه ، فإن لم يقترنْ به لامُ الابتداء جاز نصبُهُ بفعل مقدر نحو : عَمْرَ اللهِ لأفعلنَّ ، ويجوز حينئذ في الجلالةِ وجهان : النصبُ والرفعُ ، فالنصبُ على أنه مصدرٌ مضافٌ لفاعله وفي ذلك معنيان ، أحدهمل : أنَّ الأصلَ : أسألُكَ بتعميرك اللهَ . أي : بوصِفك اللهَ تعالى بالبقاء ، ثم حُذِف زوائدُ المصدرِ . والثاني : أن المعنى : عبادتك الله ، والعَمْر : العبادة ، حكى ابن الأعرابي " عَمَرْتُ ربي " ، أي : عَبَدْته ، وفلانٌ عامِرٌ ربِّه ، أي : عابدُه .
وأمَّا الرفعُ : فعلى أنه مضافٌ لمفعولِه . قال الفارسي : " معناه : عَمَّرَك اللهُ تَعْميراً " . وقال الأخفش : " أصله : أسألك بتعميرك اللهَ ، فحُذِفَ زوائدُ المصدرِ والفعلُ والباءُ فانتصب ، وجاز أيضاً ذِكْرُ خبرِهِ فتقول : عَمْرُك قَسَمي لأقومَنَّ ، وجاز أيضاً ضَمُّ عينِه ، ويُنْشِدُ بالوجهين قولُه :
أيُّها المُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلاً *** عَمْرَكَ اللهَ كيفَ يلتقيانِ
ويجوزُ دخولُ باءِ الجرِّ عليه ، نحو : بعَمْرِكَ لأفعلَنَّ . قال :
رُقَيَّ بعَمْرِكُمْ لا تَهْجُرِينا *** ومَنَّيْنا المُنَى ثم امْطُلِينا
وهو من الأسماء اللازمة للإِضافة ، فلا يُقطع عنها ، ويُضاف لكلِّ شيءٍ . وزعم بعضُهم أنه لا يُضاف إلى الله . قيل : كأنَّ قائل هذا تَوَهَّم أنه لا يُسْتعمل إلا في الانقطاع ، وقد سُمع إضافُته للباري تعالى . قال الشاعر :
إذا رَضِيَتْ عليَّ بنو قُشَيْرٍ *** لعَمْرُ اللهِ أَعْجبني رِضاها
ومَنَع بعضُهم إضافتَه إلى ياءِ المتكلمِ قال : لأنه حَلْفٌ بحياة المُقْسِم ، وقد وَرَدَ ذلك ، قال النابغة :
لَعَمْري -وما عَمْري عليَّ بهَيِّنٍ- *** لقد نَطَقَتْ بُطْلاً عَلَيَّ الأقارِعُ
وقد قَلَبَتْه العربُ بتقديمِ رائِه على لامه فقالوا : " رَعَمْلي " ، وهي ردئيةٌ .
والعامَّة على كسرِ " إنَّ " لوقوعِ اللامِ في خبرها . وقرأ أبو عمروٍ في روايةِ الجَهْضَمِيِّ بفتحها . وتخريجُها على زيادةِ اللامِ وهي كقراءة ابن جبير : { إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ } [ الفرقان : 20 ] بالفتح .
والأعمش : " سَكْرِهم " دون تاءٍ . وابن أبي عبلة " سَكَراتهم " جمعاً . والأشهبُ " سُكْرَتِهم " بضم السين .
و " يَعْمَهُون " حالٌ من الضميرِ المستكنِّ في الجارِّ ، وإمَّا من الضميرِ المجرورِ بالإِضافةِ . والعامل : إمَّا نفسُ " سَكْرَة " لأنها مصدرٌ ، وإمَّا معنى الإِضافة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.