البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (72)

واللام في لعمرك لام الابتداء ، والكاف خطاب للوط عليه السلام ، والتقدير : قالت الملائكة للوط لعمرك ، وكنى عن الضلالة والغفلة بالسكرة أي : تحيرهم في غفلتهم ، وضلالتهم منعهم عن إدراك الصواب الذي يشير به من ترك البنين إلى البنات .

وقيل : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الجمهور ابن عباس ، وأبو الحوراء ، وغيرهما .

أقسم تعالى بحياته تكريماً له .

والعمر : بفتح العين وضمها البقاء ، وألزموا الفتح القسم ، ويجوز حذف اللام ، وبذلك قرأ ابن عباس : وعمرك .

وقال أبو الهيثم : لعمرك لدينك الذي يعمر ، وأنشد :

أيها المنكح الثريا سهيلاً . . . ***عمرك الله كيف يلتقيان

أي : عبادتك الله .

وقال ابن الأعرابي : عمرت ربي أي عبدته ، وفلان عامر لربه أي عابد .

قال : ويقال تركت فلاناً يعمر ربه أي يعبده ، فعلى هذا لعمرك لعبادتك .

وقال الزجاج : ألزموا الفتح القسم لأنه أخف عليهم ، وهم يكثرون القسم بلعمرى ولعمرك فلزموا الأخف ، وارتفاعه بالابتداء ، والخبر محذوف أي : ما أقسم به .

وقال بعض أصحاب المعاني : لا يجوز أن يضاف إلى الله ، لأنه لا يقال لله تعالى عمر ، وإنما يقال : هو أزلي ، وكأنه يوهم أنّ العمر لا يقال إلا فيما له انقطاع ، وليس كذلك العمر ، والعمر البقاء .

قال الشاعر :

إذا رضيت عليّ بنو قشير . ***لعمر الله أعجبني رضاها

وقال الأعشى :

ولعمر من جعل الشهور علامة . . . ***فبين منها نقصها وكمالها

وكره النخعي أن يقال : لعمري ، لأنه حلف بحياة المقسم .

وقال النابغة :

لعمري وما عمري عليّ بهين . . .

والضمير في سكرتهم عائد على قوم لوط ، وقال الطبري : لقريش ، وهذا مروي عن ابن عباس .

قال : ما خلق الله نفساً أكرم على الله من محمد قال له : وحياتك إنهم أي قومك من قريش لفي سكرتهم أي ضلالهم ، وجهلهم يعمهون يتردّدن .

قال ابن عطية : وهذا بعيد لانقطاعه مما قبله وما بعده .

وقرأ الأشهب : سكرتهم بضم السين ، وابن أبي عبلة : سكراتهم بالجمع ، والأعمش : سكرهم بغير تاء ، وأبو عمرو في رواية الجهضمي : أنهم بفتح همزة أنهم .