معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (55)

قوله تعالى : { وكذلك نفصل الآيات } ، أي : وهكذا ، وقيل معناه : وكما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا وإعلامنا على المشركين كذلك نفصل الآيات ، أي : نميز ونبين لك حجتنا في كل حق ينكره أهل الباطل .

قوله تعالى : { ولتستبين سبيل المجرمين } ، أي : طريق المجرمين ، وقرأ أهل المدينة ولتستبين بالتاء ، { سبيل المجرمين } نصب على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : ولتعرف يا محمد سبيل المجرمين ، يقال : استبنت الشيء وتبينته إذا عرفته ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر { وليستبين } بالياء { سبيل } بالرفع ، وقرأ الآخرون { ولتستبين } بالتاء ، { سبيل } رفع ، أي : ليظهر ، وليتضح السبيل ، يذكر ويؤنث ، فدليل التذكير قوله تعالى : { وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً } [ الأعراف : 146 ] ودليل التأنيث قوله تعالى : { لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً } [ آل عمران : 99 ] .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (55)

{ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ } أي : نوضحها ونبينها ، ونميز بين طريق الهدى من الضلال ، والغي والرشاد ، ليهتدي بذلك المهتدون ، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه . { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } الموصلة إلى سخط الله وعذابه ، فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت ، أمكن اجتنابها ، والبعد منها ، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة ، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (55)

ثم قال تعالى { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيات } المنزلة فى بيان الحقائق التى يهتدى بها أهل النظر الصحيح والفقه الدقيق .

{ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين } أى ولأجل أن يظهر بها طريق المجرمين فيمتازوا بها عن جماعة المسلمين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (55)

{ وكذلك } ومثل ذلك التفضيل الواضح . { نفصل الآيات } أي آيات القرآن في صفة المطيعين والمجرمين المصرين منهم والأوابين . { ولتستبين سبيل المجرمين } قرأ نافع بالتاء ونصب السبيل على معنى ولنستوضح يا محمد سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يحق لهم فصلنا هذا التفصيل ، وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص عن عاصم برفعه على معنى ولنبين سبيلهم ، والباقون بالياء والرفع على تذكير السبيل فإنه يذكر ويؤنث ، ويجوز أن يعطف على علة مقدرة أي نفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (55)

الواو استئنافية كما تقدّم في قوله : { وكذلك فتنَّا بعضهم ببعض } [ الأنعام : 53 ] . والجملة تذييل للكلام الذي مضى مبتدئاً بقوله تعالى : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم } [ الأنعام : 51 ] .

والتفصيل : التبيين والتوضيح ، مشتقّ من الفصل ، وهو تفرّق الشيء عن الشيء . ولمّا كانت الأشياء المختلطة إذا فُصلت يتبيّن بعضها من بعض أطلق التفصيل على التبيين بعلاقة اللزوم ، وشاع ذلك حتَّى صار حقيقة ، ومن هذا القبيل أيضاً تسمية الإيضاح تبييناً وإبانة ، فإنّ أصل الإبانة القطع . والمراد بالتفصيل الإيضاح ، أي الإتيان بالآيات الواضحة الدلالة على المقصود منها .

والآيات : آيات القرآن . والمعنى نفصّل الآيات ونبيِّنها تفصيلاً مثل هذا التفصيل الذي لا فوقه تفصيل ، وهو تفصيل يحصل به علم المراد منها بَيّنا .

وقوله : { ولتستبين } عطف على علَّة مقدّرة دلّ عليها قوله : { وكذلك نفصّل الآيات } لأنّ المشار إليه التفصيل البالغ غاية البيان ، فيُعلم من الإشارة إليه أنّ الغرض منه اتِّضاح العلم للرسول . فلمَّا كان ذلك التفصيل بهذه المثابة علم منه أنَّه علَّة لشيء يناسبه وهو تبيّن الرسول ذلك التفصيل ، فصحّ أن تعطف عليه علّة أخرى من علم الرسول صلى الله عليه وسلم وهي استبانته سبيل المجرمين . فالتقدير مثلاً : وكذلك التفصيل نفصّل الآيات لتعلم بتفصيلها كنهها ، ولتستبين سبيل المجرمين ، ففي الكلام إيجاز الحذف .

وهكذا كلّما كان استعمال ( كذلك ) نفعل بعد ذكر أفعال عظيمة صالحاً الفعل المذكور بعد الإشارة لأن يكون علَّة لأمر من شأنه أن يعلّل بمثله صحّ أن تعطف عليه علَّة أخرى كما هنا ، وكما في قوله : { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } [ الأنعام : 75 ] بخلاف ما لا يصلح ، ولذلك فإنَّه إذا أريد ذكر علَّة بعده ذكرت بدون عطف ، نحو قوله : { وكذلك جعلناكم أمَّة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس } [ البقرة : 143 ] .

و { سبيل المجرمين } طريقهم وسيرتهم في الظلم والحسد والكبر واحتقار الناس والتصلّب في الكفر .

والمجرمون هم المشركون . وضع الظاهر موضع المضمر للتنصيص على أنَّهم المراد ولإجراء وصف الإجرام عليهم . وخصّ المجرمين لأنَّهم المقصود من هذه الآيات كلِّها لإيضاح خفيّ أحوالهم للنبيء صلى الله عليه وسلم والمسلمين .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم ، وأبُو جعفر ، ويعقوب بتاء مثنّاة فوقية في أول الفعل على أنَّها تاء خطاب . والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم .

وقرأه حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف بياء الغائب ، ثم إنّ نافعاً ، وأبا جعفر قرآ { سبيل } بفتح اللام على أنَّه مفعول { تستبين } فالسين والتاء للطلب . وقرأه البقية برفع اللام على أنَّه فاعل « يستبينَ » أو « تستبينَ » . فالسين والتاء ليسا للطلب بل للمبالغة مثل استجاب .

وقرأ ابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عَمرو ، وحفص ، على عاصم برفع { سبيل } على أنّ تاء المضارعة تاء المؤنَّثة . لأنّ السبيل مؤنَّثة في لغة عرب الحجاز ، وعلى أنَّه من استبان القاصر بمعنى بَانَ ف { سبيل } فاعل { تستبين } ، أي لتتّضح سبيلهم لك وللمؤمنين .