الكاف " نعتٌ لمصدر مَحْذُوفٍ ، أو حال من ضمير ذلك المصدر ، كما هو رأي سيبويه{[14046]} ، والإشارةُ بذلك إلى التفصيل السَّابق ، تقديره : مِثْلُ التَّفْصِيل البيِّن ، وهو ما سبق من أحوال الأمم نُفَصِّلُ آيات القرآن .
وقال ابن عطية{[14047]} : والإشارةُ بقوله : " وكذلك " إلى ما تقدَّم ، من النَّهْيِ عن طَرْدِ المؤمنين ، وبيان فَسَاده بِنَزْعِ المعارضين لذلك .
و{ نفَصِّلُ الآيَات } نُبَيِّنُهَا ونَشْرَحُهَا ، وهذا شبيه بما تقدَّم له في قوله : { وَكَذلِكَ فَتَنَّا } [ الأنعام : 53 ] وتقدَّم أنه غير ظاهر .
قوله : " ولتَسْتَبينَ سَبِيلُ " قرأ الأخوان{[14048]} ، وأبو بكر : " وليَسْتَبِينَ " بالياء من تحت ، و " سَبِيلُ " بالرفع .
ونافع{[14049]} : " وَلِتَسْتَبينَ " بالتَّاء من فَوْق ، " سَبِيلَ " بالنصب ، والباقون : بالتاء من فوق ، و " سبيل " بالرفع . وهذه القراءات دائرة على تذكير " السبيل " وتأنيثه وتعدي " استبان " ولزومه ، وإيضاح هذا أن لغة نجد وتميم تذكير " السبيل " وعليه قوله تعالى : { وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [ الأعراف :146 ] .
ولغة " الحجاز " التأنيث ، وعليه { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي } [ يوسف :108 ] وقوله : { لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً } [ آل عمران :99 ] .
خَلَّ السَّبيلَ لِمَنْ يَبْنِي المَنَارَ بَهَا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[14050]}
وأمَّا " اسْتَبَانَ " فيكونُ مُتعدِّياً ، نحو : " اسْتَبَنْتُ الشَّيء " ، ويكون لازَماً نحو : " اسْتَبَانَ الصُّبْحُ " بمعنى " بَانَ " فمن قرأ بالياء من تحت ، ورفع فإنه أسْنَدَ الفعل إلى " السَّبيل " ، فرفعه على أنه مذكر وعلى أن الفعل لازمٌ .
ومن قرأ بالتَّاء من فوق ، فكذلك ولكن لغة التأنيث ، ومن قرأ بالتاء من فوق ، ونصب " السبيل " فإنه [ أسند الفعل إلى المخاطب ، ونصب " السبيل " على ]{[14051]} المفعولية وذلك على تعديته أي : ولتستبين أنت سبيل المجرمين ، فالتاء في " تستبين " مختلفة المعنى ، فإنها في إحدى القراءتين للخطابِ ، وفي الأخرى للتأنيث وهي في كلا الحالين للمُضارعةِ ، و " تستبين " منصوب بإضمار " أن " بعد لام " كي " ، وفيما يتعلق به هذه اللام وجهان :
أحدهما : أنها معطوفة على عِلَّةٍ محذوفة ، وتلك العَلَّةُ معمولة لقوله : " نُفَصّل " والمعنى : وكذلك نُفَصِّلُ الآيات لتستبين لكم ولتستبين .
والثاني : أنها مُتعلِّقةٌ بمحذوف مُقدَّر بعدها ، أي : ولتسبين سبيل المجرمين فَصَّلْنَاهَا ذلك التَّفْصِيل ، وفي الكلام حَذْفُ مَعْطُوفٍ على رأي ، أي : وسبيل المؤمنين كقوله تعالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } [ النحل :81 ] .
وقيل : لا يحتاج إلى ذلك لأن المقام إنما يَقْتَضِي ذِكْرَ المجرمين فقط ؛ إذ هم الذين أثَارُوا ما تقدم ذكرهُ وقيل : لأن الضَّديْنِ إذا كانا بحيث لا يَحْصُلُ بينما واسطةٌ ، فمتى بَانَتْ خَاصيَّةُ أحد القسمين بانت خاصيَّةُ القسمٍ الآخر ، والحق والباطل لا وَاسِطَةَ بينهما ، فمتى اسْتَبَانَتْ طريقة المجرمين ، فقد استبانت طريقة المُحَقِّقين أيضاً لا محالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.