معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

قوله :{ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء } يعني : بالقبائح من الأفعال ، { والمنكر } ما يكرهه الله { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى } قال مقاتل : ما صلح . وقال ابن قتيبة : ما طهر ، { منكم من أحد } والآية على العموم عند بعض المفسرين ، قالوا : أخبر الله أنه لولا فضله ورحمته بالعصمة ما صلح منكم أحد . وقال قوم : هذا الخطاب للذين خاضوا في الإفك ، ومعناه : ما ظهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل ، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء ، قال : ما قبل توبة أحد منكم أبداً { ولكن الله يزكي } يطهر ، { من يشاء } من الذنب بالرحمة والمغفرة ، { والله سميع عليم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه ، نهى عن الذنوب عموما فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي : طرقه ووساوسه .

وخطوات الشيطان ، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب ، واللسان والبدن . ومن حكمته تعالى ، أن بين الحكم ، وهو : النهي عن اتباع خطوات الشيطان . والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه ، من الشر المقتضي ، والداعي لتركه فقال : { وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ } أي : الشيطان { يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } أي : ما تستفحشه العقول والشرائع ، من الذنوب العظيمة ، مع ميل بعض النفوس إليه . { وَالْمُنْكَرِ } وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه . فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان ، لا تخرج عن ذلك ، فنهي الله عنها للعباد ، نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروه ، لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح ، فمن إحسانه عليهم ، أن نهاهم عنها ، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها ، { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } أي : ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان ، لأن الشيطان يسعى ، هو وجنده ، في الدعوة إليها وتحسينها ، والنفس ميالة إلى السوء أمارة به ، والنقص مستول على العبد من جميع جهاته ، والإيمان غير قوي ، فلو خلي وهذه الدواعي ، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات ، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء ، ولكن فضله ورحمته أوجبا أن يتزكى منكم من تزكى .

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " ولهذا قال : { وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } من يعلم منه أن يزكى بالتزكية ، ولهذا قال : { وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن اتباع خطوات الشيطان ، فقال : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشيطان فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشآء والمنكر . . . } .

والخطوات : جمع خطوة . وهى فى الأصل تطلق على ما بين القدمين . والمراد بها هنا : طرقه ومسالكه ووساوسه ، التى منها الإصغاء إلى حديث الإفك ، والخوض فيه .

وما يشبه ذلك من الأقوال الباطلة ، والأفعال القبيحة .

أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، احذروا أن تسلكوا المسالك التى يغريكم بسلوكها الشيطان ، فإن الشيطان وظيفتها الإغراء بالشر لا بالخير ، والأمر بالفحشاء والمنكر ، وليس بالفضائل والمعروف .

وجواب الشرط فى قوله : { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشيطان } محذوف ، والتقدير : ومن يتبع خطوات الشيطان يقع فى الضلال والعصيان ، فإن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر .

وخاطبهم - سبحانه - بصفة الإيمان ، لتحريك قوة الإيمان فى قلوبهم ، ولتهييجهم على الاستجابة لما أرشدهم إليه - سبحانه - .

وقوله - سبحانه - { وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً . . . } بيان لمظاهر فضله - تعالى - ولطفه بعباده المؤمنين .

والمراد بالتزكية هنا : التطهير من أرجاس الشرك ، ومن الفسوق والعصيان .

أى : ولولا فضل الله عليكم - أيها المؤمنون - ورحمته بكم - ما طهر أحد منكم من دنس الذنوب والمعاصى طول حياته ، ولكن الله - تعال - بفضله ورحمته يطهر من يشاء تطهيره من الأرجاس والأنجاس . بأن يقبل توبته . ويغسل حوبته .

" والله " - تعالى - " سميع " لدعاء عباده ومناجاتهم إياه " عليم " بما يسرونه وما يعلنونه من أقوال وأفعال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

ثم قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } يعني : طرائقه ومسالكه وما يأمر به ، { وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } : هذا تنفير وتحذير من ذلك ، بأفصح العبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } : عمله . وقال عكرمة : نزغاته . وقال قتادة : كل معصية فهي من خطوات الشيطان . وقال أبو مِجْلَز : النذور في المعاصي من خطوات الشيطان .

وقال مسروق : سأل رجل ابن مسعود فقال : إني حرمت أن آكل طعامًا ؟ فقال : هذا من نزعات الشيطان ، كَفِّر عن يمينك ، وكُل .

وقال الشعبي في رجل نَذَر ذَبْح ولده : هذا من نزغات الشيطان ، وأفتاه أن يذبح كبشًا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا حسان بن عبد الله المصري ، حدثنا السريّ بن يحيى ، عن سليمان التيمي ، عن أبي رافع قال : غضبت عليَّ امرأتي فقالت : هي يومًا يهودية ، ويومًا نصرانية ، وكل مملوك لها حر ، إن لم تطلق امرأتك . فأتيت عبد الله بن عمر فقال : إنما هذه من نزغات الشيطان . وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة ، وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة ، وأتيت عاصم بن عمر ، فقال مثل ذلك .

ثم قال تعالى : { وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } أي : لولا هو يرزق من يشاء التوبة والرجوع إليه ، ويزكي النفوس من شركها وفجورها ودسها وما فيها من أخلاق رديئة ، كل بحسبه ، لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خيرا { وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } أي : من خلقه ، ويضل من يشاء ويرديه في مهالك الضلال والغي .

وقوله : { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } أي : سميع لأقوال عباده{[20935]} { عليم } بهم ، مَنْ يستحق منهم الهدى والضلال .


[20935]:- في ف : "العباد".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

هذا الخطاب عام لجميع المؤمنين ، و { خطوات } جمع خطوة وهي ما بين القدمين في المشي فكأن المعنى لا تمشوا في سبله وطرقه من الأفعال الخبيثة ، وقال منذر بن سعيد يجوز أَن يكون { خطوات } جمع خطأ من الخبيثة ، وسهلت الهمزة فنطق بها { خطوات } وقرأ بضم الطاء من «خُطوات » الجمهور ، وقرأ بسكونها عاصم{[8644]} والأعمش ، وقرأ الجمهور «ما زكى » ، بتخفيف الكاف أَي ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رشداً ، وقرأ أبو حيوة والحسن «زكّى » بشد الكاف أي تزكيته لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالهم وتحرزكم من المعاصي ، ثم ذكر تعالى أنه { يزكي من يشاء } ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح أمارة على سبق السعادة له ، ثم أخبر بأنه { سميع } لجميع أقوالهم وكلامهم من قذف وغيره ، { عليم } بحق ذلك من باطله لا يجوز عليه في ذلك وهم ولا غلط .


[8644]:في رواية أبي بكر عنه، أما رواية حفص فهي بضم الطاء كما هي ثابتة في المصحف الشريف.