فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

{ ياأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان } الخطوات جمع خطوة ، وهي : ما بين القدمين ، والخطوة بالفتح المصدر أي : لا تتبعوا مسالك الشيطان ومذاهبه ، ولا تسلكوا طرائقه التي يدعوكم إليها . قرأ الجمهور { خطوات } بضم الخاء ، والطاء ، وقرأ عاصم ، والأعمش بضم الخاء ، وإسكان الطاء . { مَن يَتَّبِعُ خطوات الشيطان فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشاء والمنكر } قيل : جزاء الشرط محذوف أقيم مقامه ما هو علة له ، كأنه قيل : فقد ارتكب الفحشاء والمنكر لأن دأبه أن يستمرّ آمراً لغيره بهما ، والفحشاء : ما أفرط قبحه ، والمنكر : ما ينكره الشرع ، وضمير إنه للشيطان ، وقيل : للشأن ، والأولى أن يكون عائداً إلى من يتبع خطوات الشيطان ، لأن من اتبع الشيطان صار مقتدياً به في الأمر بالفحشاء والمنكر { وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } قد تقدّم بيانه ، وجواب «لولا » هو قوله : { مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً } أي : لولا التفضل ، والرحمة من الله ما طهر أحد منكم نفسه من دنسها ما دام حياً .

قرأ الجمهور { زَكَى } بالتخفيف ، وقرأ الأعمش ، وابن محيصن ، وأبو جعفر بالتشديد أي : ما طهره الله . وقال مقاتل : أي ما صلح . والأولى تفسير زكى بالتطهر والتطهير ، وهو : الذي ذكره ابن قتيبة . قال الكسائي : إن قوله { ياأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان } معترض ، وقوله : { مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً } جواب لقوله : أوّلاً ، وثانياً ، ولولا فضل الله . وقراءة التخفيف أرجح لقوله : { ولكن الله يُزَكّي مَن يَشَاء } أي : من عباده بالتفضل عليهم ، والرحمة لهم { والله سَمِيعٌ } لما يقولونه { عَلِيمٌ } بجميع المعلومات ، وفيه حثّ بالغ على الإخلاص ، وتهييج عظيم لعباده التائبين ، ووعيد شديد لمن يتبع الشيطان ، ويحبّ أن تشيع الفاحشة في عباد الله المؤمنين ، ولا يزجر نفسه بزواجر الله سبحانه .

/خ21