الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خطوات الشيطان } [ النور : 21 ] .

خطوات جمع خُطْوَة ، وهي ما بين القدمين في المشي ، فكأنَّ المعنى : لا تمشوا في سُبُلِهِ وطُرُقِهِ .

( ت ) : وفي قوله سبحانه : { وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } ما يردع العاقلَ عن الاشتغال بغيره ، ويُوجِبُ له الاهتمامَ بإصلاح نفسه قبل هجوم مَنِيَّتِهِ وحُلُولِ رَمْسِهِ . وحَدَّثَ أَبو عمر في «التمهيد » بسنده عن إسماعيل بن كثير قال : سمعت مجاهداً يقول : ( إنَّ الملائكة مع ابن آدم ، فإذا ذكر أخاه المسلم بخير ، قالت الملائكة : ولك مِثْلُهُ ، وإذا ذكره بشرٍّ ، قالتِ الملائكةُ : ابنَ آدمَ المستور عورته ، أَرْبِعْ على نفسك ، واحْمَدِ اللّه الذي يستر عورتك ) انتهى .

ورُوِّينَا في «سنن أبي داودَ » عن سهل بن مُعَاذِ بن أنس الجُهَنِيِّ عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِنْ مُنَافِقٍ أَرَاهُ قالَ : بَعَثَ اللّهُ مَلَكاً يَحْمِي لَحْمَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، وَمَنْ رَمَى مُسْلِماً بِشَيْءٍ يُرِيدُ بِهِ شَيْنَهُ ، حَبَسَهُ اللّهُ عز وجل عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ) وروينا أيضاً عن أَبي داودَ بسنده عن جابرِ بن عبد اللّه وأبي طلحةَ بن سهل الأنصارِيَّين أنَّهما قالا : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ امرىءٍ يَخْذُلُ امرءاً مُسْلِماً في مَوْضِعٌ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إلاَّ خَذَلَهُ اللّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ، وَمَا مِنِ امْرِىءٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً في مَوْضِع يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلاَّ نَصَرَهُ اللّهُ في مَوْضِعٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ) انتهى .

ثم ذكر تعالى أَنَّه يزكى مَنْ شاء مِمَّنْ سبقت له السعادة ، وكان عمله الصالح أمارة على سبق السعادة له .